من كتاب المهدي المنتظر آخر الخلفاء الراشدين لمنصور عبد الحكيم
بسم الله الرحمن الرحيم
المهدي المنتظر
آخر الخلفاء الراشدين
مقـدمة
====================
إن الحمد الله ، نحمده و نستعينه ، ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، و اشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعــد :
فلقد كثر الحديث قديما وحديثا عن تلك الشخصيه الإسلاميه من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم والتي تظهر آخر الزمان كي تنقذ الأمة الإسلامية من جور الأمم عليها ، بل وتنقذ العالم أجمع من الظلم والظلال ، كي تملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئة ظلما وجورا ، إنه المهدي الذي ينتظره المسلمون منذ مئات السنين كي يأخذ بأيديهم إلى شاطئ النجاة ، فهو من ولد النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام من ابنته فاطمة الزهراء عليها لاسلام من زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ولده الحسن على أصح الأقوال عند أهل السنة و الجماعة ، أسمه على اسم النبي صلى الله عليه وسلم و اسم ابيه كذلك إنه محمد بن عبد الله الهاشمي الحسني عليه السلام آخر الخلفاء الراشدين .
لقد تكلم عنه الكثير والكثير و أفردوا له الأبواب في مصنفاتهم ، بل صدرت مجلدات تشرح أحواله وشخصيته وصفاته و أعماله آخر الزمان كما أوضحه جده صلى الله عليه وسلم .
ولكن لم يكن هناك من تلك الكتب من تكلم عن السلالة التي سبقته من الخلفاء الراشدين الاثنى عشر الذين حكموا بلاد الإسلام بدءا من أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى آخرهم المهدي عليه السلام .
فالأئمة الاثناعشر عند اهل السنة والجماعة هم خلفاء الأمة أعز الله بهم الدين ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناوءهم عليه اثناعشر خليفة كلهم من قريش ) . رواه الشيخان وغيرهما .
والشيعة ينكرون خلافة أبي بكر وعمر و عثمان وغيرهم و لا يقرون إلا بخلافة الأئمة من آل البيت من نسل فاطمة الزهراء رضي الله عنها فأول الأئمة عندهم علي بن أبي طالب ثم سبطيه الحسن والحسين و أخرهم المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري ، ولكن الصحيح ما عليه اهل السنة والجماعة ، ولذلك فقد تعرض بشئ من التفصيل اليسير لهؤلاء الخلفاء الاثنى عشر الذين اشار إليهم الحديث النبوي وكلهم من قريش ، وكان من البديهي تركيز الضوء على الخليفة الثاني عشر المهدي عليه السلام وهذا أمر طبيعي فهو الأمل المنتظر عجل الله بظهوره و أيده بنصره إنه على ما يشاء قدير .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل و أن يكون في ميزان حسناتنا يوم القيامة و أن ينتفع به المسلمون في جميع أنحاء العالم ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تم الفراغ منه في يوم 6 صفر 1419 هـ الموافق الاثنين من أول يونيه 1998 م
منصور عبد الحكيم
المحامي
ت/ 33281821 القاهرة
( البـــاب الأول )
حقــــائق حاول البعض إنكارها
* المهدي و الدجــال و ابن مريم .
* يأجوج ومــــــأجوج .
* الدابـــــــــــــة .
[لم يكن هناك بد أ، نعرض آراء المنكرين لعلامات الساعة و الرد عليها بعد أن نبسطها على مائدة القرآن و السنة الصحيحة ، وقد صدر منذ سنوات ليست بالقليلة كتيب صغير يحمل فكر هؤلاء المنكرين لعلامات الساعة لأسباب واهية (1) ، جاء في مقدمة هذا الكتيب الصغير في حجمه و فكره على لسان المؤلف : و في حداثتي كنت اعتقد كما يعتقد العامة و أؤمن كما يؤمنون بأن يأجوم و مأجوج و دابة الأرض ، و الدجال ، و المسيح ، والمهدي ، وطلوع الشمس من مغربها ـ أمور لا شك فيها و أنها من النذير يقرب انتهاء الدنيا وفناء العالم و قيام الساعة ......
، لقد جاءت هذه المقدمة دليلا على أن المؤلف سوف يقف موقف المنكر لعلامات الساعة كما ءوف نعرض لآرائه التي لم تعتمد على أساس من الدين .
لأن هذا المؤلف و غيره من المنكرين أيضا كان يعتقد ما تعتقده العامة .. إذن فإن البخاري ومسلم و الأئمة الأربعة و حكماء الأمة كلهم من العامة و هو من الخاصة .. لأنه ينكر ما جاء بالكتب الصحيحة و القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم كما سوف يعرض المؤلف في كتابه الصغير خرافات جاءتنا من الإسرائيليات .
و يقول المؤلف : (( و قد وقفت بين المصدقين والمنكرين أفكر .. فكرت وبحثت ونقبت ووازنت وقارنت لأبني عقيدتي على العقل والدليل ، لا على الوراثة والتقليد ، و انتهيت إلى رآى أضعه اليوم بين يدي القارئ ، راجيا أن يكون سديدا )) . و تحت عنوان (( الساعة و أشراطها )) ذكر المؤلف أن الساعة تعني الوقت والصعق والبعث والقيامة و ذكر الآيات التي جاءت بلفظ الساعة ومنها : قوله تعالى (( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو .. )) (2) .
ثم جاء بأحاديث نبوية صحيحة لم يذكر تخريجها لسبب بسيط أنه ينكر الحديث لأنه لا يوافق عقله الفذ و لا يعترف بصحة الحديث من حديث السنة أو غيره مما أجمع عليه العلماء و فقهاء الحديث و فيما ذكره الحديث الذي رواه مسلم و غيره عن حذيفة بن أسيد الغفاري أنه قال : (( اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم و نحن نتذاكر ، فقال : ما تذاكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ؟ قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر : الدخان ، و الدجال ، و الدابة ، و طلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، وخروج يأجوج ومأجوج ، و ثلاثة خسوف : خسفا بالمشرق ، وخسفا بالمغرب ، وخسفا بجزيرة العرب ..... )) (3) .
ثم يذكر المؤلف حديثا آخر أخرجه الترمذي من حديث أنس و أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا : (( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كإحتراق السعفة )) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لاتقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان و يكون بينهما مقتلة عظيمة ، ودعوتهما واحدة و حتى يبعث دجالون كذابون وحتى يقبض العلم و تكثر الزلازل و يتقارب الزمان و تظهر الفتن و يكثر الهرج ـ وهو القتل ـ وحتى يكثر فيكم المال ، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرض عليه لا إرب لي به ، وحتى يتطاول الناس في البنيان وحتى يمر الرجل بقبر أخيه فيقول : ياليتني مكانه و حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت رآها الناس ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا )) (4) .
وذكر من علامات الساعة أيضا أن تلد الأمة ربتها ، و التطوال في البنيان والزلازل و الفتن ، وقال إن هذه العلامات ظهرت و مازالت تظهر وهي أمور طبيعية عادية والعقل لا يرضى أن تكون أشراطا للساعـــة . ّ!!!!!!!!
بكل بساطة وبوضوح شديد ينكر هذا المؤلف أن كل الأحاديث التي تحدثت عن علامات الساعة وهي أحاديث جاء ذكرها في البخاري ومسلم و هي أصح كتب الأحاديث التي تلقتها الأمة الإسلامية بالقبول ينكرها و السببأن عقله الفذ لا يقبلها ، بل إنه يقول : (( إني أعتقد أن أكثر الأحاديث التي رويت في هذه الشئون هي أحاديث ضعيفة أو موضوعة بل أكاد أجزم أنها إسرائيليات دسها أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه من مسلمة بني إسرائيل . )) (5)
و بكل الوضوح ينكر المؤلف أن للقيامة أشراطا مثل ولادة الأمة لربتها وغيرها مماجاءت به الأحاديث الصحيحة ، وكذلك العلامات الأخرى مثل يأجوج و مأجوج و المنتظرين الثلاثة الدجال و المسيح ابن مريم و المهدي و طلوع الشمس من مغربها و غيرها كما سنوضح هذا الفكر الشاذ في السطور القادمة .
-------------------------------------------------------------
(1) جاء إنكار المهدي والدجال والمسيح ابن مريم وغيرهم من علامات الساعة في كتيب اسمه المنتظرون الثلاثة لمؤلفه / عبد الله الكبير طبعه دار المعارف عام 1978 م .
(2) سورة الأعراف : 187 .
(3) الحديث أخرجه مسلم وغيره ونصه برواية مسلم (( عن حذيفة بن أسيد قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : وما تذاكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة فقال إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات : الدخان و الدجال و الدابة وطلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى ابن مريم و يأجوج ومأجوج و ثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب و آخر ذلك نار تخرج من قبل عدن تطرد الناس إلى محشرهم )) .
(4) هذا الحديث جاء في صحيح البخاري و مسلم في أحاديث متفرقة منها (( لاتقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة .. )) و أيضا (( لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج قالوا : و ما الهرج يارسول الله قال : القتل القتل )) رواه مسلم ، و قال أيضا : (( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان . )) رواه البخاري و قال أيضا : (( لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل . )) رواه البخاري . وقال أيضا : (( ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ... طلوع الشمس من مغربها و الدجال ودابة الأرض . )) رواه مسلم .
(5) هذا الإنكار للمؤلف للأحاديث الصحيحة وطعنه في إسلام كل من كعب الأحبار و وهب بن منبه دليل على عدم علمه و تكفيره للمسلمين الموحدين وهذا أمر يرفضه الدين .
* طلوع الشمس من مغربها :
قرر المؤلف أن القرآن لم يذكر شيئا عن طلوع الشمس من مغربها ، ثم ذكر أن الأحاديث النبوية هي التي ذكرت ذلك منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لاتقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا جميعا وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها )) . وقرأ الآية قوله تعالى (( هل ينظرون إلا ان تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل إنتظروا إنا منتظرون )) .(1)
و هناك أحاديث أخرى تذكر نفس الأمر ولكن المؤلف المنكر يقرر أنه لاينكر أن الله على كل شئ قدير و لكن ينكر أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التناقض والخلط حيث جاء في حديث حذيفة تطول الليلة حتى تكون قدر ليلتين وبينما الناس ينتظرون طلوعها من مشرقها إذ هي تطلع من مغربها ، لقد فسر المفسرون الآية السابقة على أنها طلوع الشمس من مغربها ودل على ذلك مارواه البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و أما ما ينكره المؤلف فهذا شئ آخر في عقله . (2)
* الدابـــة :
ذكر الؤلف اختلاف الصحابة والمفسرين في وصف الدابة وبالغوا في وصفها مبالفة غير مقبولة على حد قوله ، وقرر أن ما جاء في وصف الدالة من قبيل الخيال و أنكر الأحاديث التي ذكرت وصف الدابة ولكنه لم ينكر الدابة والسبب أنها ذكرت في القرآن في سورة النمل آية 82 . قال تعالى (( و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون )) .
وقال المؤلف : (( والذي أؤمن به أن الدابة من آيات رنا عز وجل و أن القرآن الكريم و الأحدايث القطعية الصحيحة لم تصفها .. والذي ارتضية في تفسير تكلمهم أنه من الكلم بمعنى الجرح !! )) سبحان الله يؤول القرآن على غير هدى !! فالآية صريحة أن الدابة تكلم الناس وتنطق باللغة العربية (( أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون )) فيأتي هذا المنكر ليقول إن كلام الدابة ليس إلا جرح الناس ، بل إنه قال أيضا : (( فما يمنع أن تكون الدابة من جنس الحشرات و الحيوانات الموجودة الآن و أنها تكثر و تهجم على الناس فتصيبهم بالأذى )) .
إن هذا الرأي لا يصح عقلا و لا شرعا لأن الدابة حيوان لم يظهر بعد ، و أن ظهوره ليس كما ذكر المؤلف أنه موجود الآن على شكل حشرات لا نستطيع مقاومتها ، لأن الدابة كما صح في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون مع طلوع الشمس من مغربها قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : (( أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على النسا ضحى و أيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا )) .
* يأجوج و مأجوج :
ذكر المؤلف ما جاء في أخبار هؤلاء القوم في القرآن في سورة الكهف الآيات من 83 ـ 97 (( حتى إذا فتحت يأجوج و مأجوج وهم من كل حدب ينسلون . و اقترب الوعد الحق .. )) .
و ينكر المؤلف ما جاء في وصف يأجوج ومأجوج و لذلك فإنه ينكر خروج يأجوج و مأجوج آخر الزمان قرب الساعة و يقرر ذلك فيقول صراحة : (( و نحن نرجح أن يأجوج ومأجوج هم شعوب إحدى الدول الكبرى الآن ـ لعله يقصد الصين ـ و أن هذه الدولة قد تخ0وض حربا مقبلة تستخدم فيها القنابل الذرية و الهيدروجينية و قنابل النيترون فتحرق الأخضر و اليابس و تقضي على الناس وعلى كل حضارة وعمران ويكون حينئذ قتل وتخريب و إفساد لا يخطر ببال و لا يتصوره خيال )) .
إن ما ذهب إليه المؤلف ما هو إلا تصور واء ، تصور علماني لا أساس له من الصحة والشرع تصور يهدم العقيدة و الدين ، تصور يخالف النبي صلى لله عليه وسلم القائل في ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : يقول الله تعالى : (( تعال يا آدم فيقول لبيك و سعديك والخير في يديك ، فيقول : أخرج بعث النار قال : و ما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فعنده يشيب الصغير و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى ، وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ـ قالوا : و أين ذلك الواحد ؟ قال ( أبشروا فإن منكم رجلا من يأجوج و مأجوج ألف .)) .
و أين هذه الدولة التي ذكرها المؤلف من هذا الكم و العدد الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم و كذلك ما ذكره مسلم في صحيحه عن زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول : (( لا إله إلا الله و يل للعرب من شر قد اقترب .. فتح اليوم من ردم يأجوح ومأجوج مثل هذه ، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها ، قالت زينب بنت جحش : (( أنهلك و فينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث . )) رواه البخاري أيضا .
والمؤلف ذكر هذا الحديث ولكنه يقرر أن الزنا منتشر في العالم و بالتالي فإن يأجوج ومأجوج ما خرجوا من الردم الذي صنعه عليهم ذو القرنين !!! .
* الدجــال :
أنكر المؤلف الدجال شخصيته و موضوعه بكل صراحة و سهولة و يسر ، أنكر خروج الدجال فإنه من يصدق ذلك فهو أحمق و أبله ، و أن الأحاديث التي ذكرت الدجال فيث البخاري و مسلم و كل كتب الأحاديث في نظره مدسوسة و موضوعة والسبب لأنه لايصدقها و لاتدخل عقله الفذ العبقري و قال بصراحة : (( ومما تقدم نتحقق أن الأخبار المرويةعن المسيخ الدجال أحاديث موضوعة و أقوال مدسوسة وأن الدجال شخصية وهمية و أن رسول الله صلى الله عليه وسلم براء من نسبه هذه الأحاديث إليه فإنما هي فتنة من فتن الوضاعين و مكيدة من مكايد مسلمة بني إسرائيل ، انا أنكر أمر الدجال من أوله إلى آخره فلا اؤمن بظهوره و لاأتوقع خروجه و لا أنتظر مجيئه و أعتقد أنه خرافة من خرافات السابقين )) .
هكذا بكل بساطة ينكر أمرا من أمور العقيدة التي أقرها السلف والخلف و أئمة الدين و ذكرها رسول الله صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة صحيحة ذكرنا منها الكثير في كتابنا نهاية العالم قريبا ونذكر هنا بعضها ، روى مسلم عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة )) .
و روى البخاري أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بينما أنا قائم أطوف الكعبة فإذا رجل سبط الشعر ينظق ـ او يهرق ـ رأسه ماء . قلت : من هذا ؟ قالو ا ابن مريم .. ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أورا لعين كأن عينه عنبة طافية قالوا : هذا الدجال . أقرب الناس شبها بابن قطن رجل من خزاعة )) .
وورد في صحيح مسلم أنه أعور العين اليسرى و في رواية أعور العين اليمنى و هذا يدل على أن عينيه بهما عيب إحداهما بارزة عن مكانها والأخرى ذهب نورها . قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى ليس بأعور ألا إن المسيخ الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية )) رواه مسلم و الأحاديث كثيرة جدا جدا تذكر فتنة الدجال وما يحدث عند خروجه وكذلك معاركه مع المهدي عليه السلام و أيضا قتله على يد عيسى ابن مريم (3) .
* عيســـى ابن مريم :
وكما أنكر المؤلف خروج الدجال أنكر أيضا نزول عيسى ابن مريم و ادعى أن القرأن لم يذكر ذلك و لا السنة النبوية . وقرر أنه كيف يقتل عيسى ابن مريم الدجال بالحربة وأن المسلمين يقاتلون بالسيوف في زمن الأسلحة النووية و الرشاشات و بذلك أنكر الأحاديث ونسى هذا المنكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث من كان في عهده وعصره فجاء ذكر السلاح الذي يعرفون فهل يعقل أن يقول لهم إن المسلمين يحاربون بالمدافع والرشاشات والطائرات و أن عيسى ابن مريم يقتل الدجال بالمسدس مثلا !! .
هل كان يريد المؤلف المنكر أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك !! ثم مالذي يدريه ربما الزمان سيعود إلى سابق عهده من استخدام الأسلحة القديمة في آخر الزمان و في عهد الدجال ؟ إن هذا أمر ليس ببعيد إذا علمنا أن هناك حربا نووية قد تحدث تدمر كل شئ وهذا الأمر لم يستبعده المؤلف في كتابه ، و بالتالي يمكن الرجوع إلى الأسلحة القديمة ، والدليل أن كل الأسلحة الخفيفة التي تستخدمها الجنود من الأسلحة الرشاشة الآلية توجد بها ما يسمىم (( بالسونكي )) وهو السلاح الأبيض شبيه السيف والسكين ، ويستخدمه الجنود حين ينفذ الرصاص مثلا . بل أنا هناك معارك يكون السلاح الأبيض هو سلاح المعركة حى في عصرنا الحاضر .
والأحاديث التي ذكرت نزول عيسى ابن مريم كثيرة جدا نذكر منها مارواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتى لا يقبله احد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا و مافيها )) . ورواه أيضا مسلم في صحيحه بلفظ : (( و الذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب و يقتل الخنزير ويضع الجزية و يفيض المال و لا يقبله أحد )) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه و اقرءوا إن شئتم (( و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا )) سورة النساء 159 .
وقوله تعالى : ( و إنه لعلم للساعة فلا تمترن بها و اتبعون هذا صراط مستقيم ) . سورة الزخرف آية 61 وجاء في تفسيرها أن المقصود بها هو نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان ذكره ابن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر قوله و أنه لعلم للساعة قال : نزول عيسى ابن مريم من قبل يوم القيامة .
وفي صحيح مسلم في كتاب الحج عن النبي صى الله عليه وسلم أنه قال : (( والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم ببطح الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما معا )) ورواه أحمد أيضا في مسنده .
وغيرها من الأحاديث الصحيحة كثيرة نذكرها في حينها إن شاء الله .
* المهــــدي المنتظر :
وكما أنكر المؤلف نزول عيسى ابن مريم و الدجال أنكر أيضا خروج المهدي عليه السلام و قال إن شخصية المهدي من أفكار اليهود والفرس و أن كل الأحاديث اليت ذكرت المهدي مدسوسة على النبي صلى الله عليه وسلم و أن فكرة المهدي فكرة فارسية جاءت في تعاليم (( زرادشت )) . وقال (( إذا كنا شككنا في أحاديث الدجال ، فإنا ننكر أحاديث المهدي جميعها )) .
و هكذا أدى الإنكار إلى أن هذا المؤلف أصبح مثل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض دون دليل صحيح من الشرع و هكذا أدى تحكيمه العقل إلى الإنكار و لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم و نسأل الهداية له و لجميع المنكرين .
ولأن موضوع الكتاب عن المهدي فلا داعي لذكر أحاديث المهدي هنا لأننا سوف فذكرها في الفصول القادمة إن شاء الله وهي أحاديث واردة في كتب الأحاديث المعتمدة الصحيحة .
----------------------------------------------------------------
(1) سورة الأنعام آية 158 .
(2) جاء ذكر طلوع الشمس من معربها فيما رواه مسلم في صحيحه (( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث إذا خرجن لاتنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها و الدجال ودابة الأرض )) ورواه البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيرهما و على ذلك قال المفسرون في كتب التفسير .
(3) سوف نذكر بمشيئة الله في الفصول القادمة أحاديث الدجال و المهدي .
-------------====================================
( الباب الثــــاني )
الخلفاء الراشدون اثنا عشر خليفة عند أهل السنة
* أسماء الخلفاء من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى المهدي عليه السلام .
من المعلوم أن الخلفاء الراشدين هم أربعة خلفاء تولوا الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم أبوبكر الصديق و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، ثم تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان .
و قد اضاف العلماء إلى الخلفاء الأربعة خليفة خامسا هو عمر بن عبد العزيز من بني أمية نظرا لعدله و ورعه ، ثم انضم إليهم خليفة سادس وهو المهتدي من بني العباس و أطلق عليه عمر بن عبد العزيز لانه سلك سيرته و ترسم خطاه وكان أيضا ممن تسموا بالخلفاء الراشدين الخليفة الظاهر من خلفاء بني العباس لزهده وورعه وعدله .
والخلافة الاولى في الإسلام استمرت ثلاثين عاما ثم جاء بها الملك في بني أمة ، وهذا ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الخلافة ثلاثون عاما ، ثم يكون بعد ذلك الملك )) (1) .
وعد العلماء الثلاثين عاما في خلافه الخلفاء الأربعة و أيام الحسن بن علي .
و فيما ذكره البزار و نقله عن السيوطي في تاريخ الخلفاء عن أبي ثعلبه عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن أول دينكم بدأ نبوة ورحمة ثم يكون خلاقة ورحمة ، ثم يكون ملكا وجبرية )) . (2)
* الخلفاء الاثنا عشر :
و لكن هل اقتصرت الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على أربعة أو خمسة من الخلفاء الراشدين أم أن الخلفاء أكثر من ذلك ؟ أجاب عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يزال هذا الامر عزيزا ينصرون على من ناوءهم عليه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش )) (3) .
وفي رواية أبي داوود زيادة فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال : (( ثم يكون الهرج )) .
وعند أحمد و البزار بسند حسن عن ابن مسعود أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال : سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل )) و اختلف الفقهاء من السلف و غيرهم في المقصود بالاثنى عشر خليفة هل هم الذين اجتمع عليهم المسلمون في حينهم وزمانهم حتى النهاية لهذه الأمة الإسلامية ، أم أنهم الخلفاء الراشدون المهتدون الذين توافرت فيهم صفات الخلفاء الاوائل من الصحابة ، قال القاضي عياض : لعل المراد بالاثنى عشر في هذه الاحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عز الخلافة و قوة الإسلام واستقامة اموره .. والاجتماع على من يقوم بالخلافة ، و قد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فانتشرت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم . (4)
وقد رجح هذا الرأي ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فقال : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث و أرجحه ، لتأييده بقوله طرق الحديث الصحيحة : (( كلهم يجتمع عليه الناس )) و إيضاح المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته ، و الذي وقع أن الناس اجتمعوا مع أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، إلى ان وقع أمر الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئد الخلافة ، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ، و لم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام و تخلل بين سليمان و يزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين و الثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي أربع سنين ، ثما قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتنة و تغيرت الأحوال من يومئذ ، و لم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولما مات يزيد ولى أخوه إبراهيم فقتله مروان .
ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل ، ثم كان أول خلفاء بني العباس السفاح و لم تطل مدته مع كثرة من عليه ، ثم ولى أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الاندلس ، و استمرت في أيديهم متغلبين عليها إلا ان تسموا بالخلافة بعد ذلك (5) .
و على هذا الرأي يكون الهرج و هو القتل الفاشي الناتج عن وقوع الفتن قائم و أيستمر .
الرأي الآخر يرجح أن الاثنى عشر خليفة يكونون في جميع مدة الأمة الإسلامية إلى يوم الساعة يعملون بالحق و أن تتوالى أيامهم ، و استندوا إلى ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير عن أبي الخلد أنه قال : (( لاتهلك هذه الأمة حتى يكون مننها اثنا عشر خليفلة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم )) (6) . و على هذا فالمراد بقوله في الحديث : (( ثم يكون الهرج )) أي الفتن التي تسبق الساعة من خروج الدجال إلى النفخ في الصور .
و هذا الرأي الأخير رجحه السيوطي في تاريخ الخلفاء فقال : و على هذا فقد وجد من الاثنى عشر خليفة الخلفاء الاربعة و الحسن و معاوية ، و بان الزبير و عمر بن عبد العزيز ، و هؤلاء ثمانية ، و يحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين لانه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية و كذلك الظاهر لما أوتيه من العدل ، و بقي اثنان المنتظران احدهما المهدي لانه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى ذلك يكون الخلفاء الاثنا عشر في رأي من ذهب إلى أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة و استقامة الأمور و اجتماع الأمة على خلافتهم قد مضوا كما قرر ذلك القاضي عياض و ابن حجر وهم :
أبو بكر الصديق ، عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان ، على ين أبي طالب ، معاوية بن أبي سفيان ، يزيد بن معاوية ، عبد الملك بن مروان ثم الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد وهؤلاء اثنا عشر خليفة و بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وقعت الفتنة في بني أمية حتى غلب عليهم بنو العباس بعد موقعة بقرب الموصل عام اثنين و ثلاثين من الهجرة و قتل بمصر في معركة بقرية بوصير في مصر في ذي الحجة ، و لم تجتمع الأمة على خليفة بعد الوليد بن يزيد و انتهاء العصر الأموي لان الفتنة استمرت بعده و حتى في العصر العباسي حيث كان خروج الكثير على الخلافة العباسية حتى انتهت الخلافة العباسية و إلى يومنا هذا لم يجتمع المسلمون على خليفة واحد .
وعلى الرأي الآخر يكون الخفاء الاثنا عشر على مدة عهد الامة كلها من عهد الخلفاء الأربعة الراشدين إلى يوم القيامة اثنى عشر خليفة يشترط فيهم العدل و الحق و إن لم تتوال أيامهم و تتصل وعلى هذا يكون هؤلاء الخلفاء كما أشار السيوطي الخلفاء الأربعة أبوبكر ، وعمر ، وعثمان ، و علي ، والحسن بن علي ، و معاوية ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، والمهتدي باله محمد بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد ، ثم الخليفة العباسي الظاهر بأمر الله محمد بن الناص لدين الله و يمكن أن يضاف إلى هؤلاء الخليفة المستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله وهو الخليفة قبل الأخير في العصر العباسي ببغداد حيث أن ابنه الخليفة الاخير في الدولة العباسية الذي قتله التتار و هو المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين العراقيين عام ستة و خمسين بعد المائة السادسة (( 656 هـ )) ، و يكون الخلفاء الراشدون فيهذا الرأي إحد عشر سبقوا و لم يبق إلا الخليفة الأخير المهدي المنتظر محمد بن عبد الله الهاشمي عليه السلام .
و على هذا الرأي الاخير يكون الخليفة الباقي هو المهدي أما الرأي الاول فقد انتهى عصر الخلفاء الراشدين و أننا في عصر الهرج وهذا لا يعقل لأنه من السنة الصحيحه بقي الخليفة العادل الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا من نسل النبي صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة من ابنها الحسن كما سنعرف .
و إن كان السيوطي رحمه الله قد عدد عشرة من الخلفاء الراشدين انتهوا الى الخليفة العباسي الظاهر بالله و قرر أن بقي اثنان احدهما المهدي المنتظر لأنه من اهل البيت فإن الزمان استدار و مضي ولم يظهر الخليفة العادل الراشد الحادي عشر كما ذكر هو الخليفة المستنصر بالله بن الخليفة الظاهر العباسي و ذلك لما أظهر من العدل و احلق في حكمه كما سنذكر بإذن الله .
اذا كانت الخلافة الراشدة في رأي العلماء هي الحكم بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم و السير على نهج النبوة ، فإن تحديد الاثنى عشر خليفة عند أهل السنة تتحدد على اساس العدل في احلكم و إن لم يتوالوا في الحكم و على هذا يفهم من الحديث الذي ذكرناه و اخرجه الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناؤءهم عليه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش )) و أيضا (( لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليهم الأمــة )) .
و الحديث الذي ذكر أن الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك (7) لايتعارض مع الاحاديث التي عددت الخلفاء باثنى عشر خليفة ، لأنه حدد الخلافة في فترة استمرارها ثلاثين عاما متصلة يأتي بعدها الملك و لايمنع من عودة الخلافة متقطعة على فترات .
و يتضح الامر جليا في الحديث الذي أخرجه أحمد و البزار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (( تكون النبوة فيكم ماشاء الله ان تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا (( وراثيا )) فيكون جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت )) .
فالخلافة الراشدة تأتي بعد النبوة مباشرة و تستمر ثلاثين عاما ثم يكون الملك الوراثي ثم الخلافة علىنهج النبوة مرة أخرى .
و الخفاء الاثنا عشر و هم من قريش يمكن تحديدهم كما ذكرهم السيوطي في التاريخ وهم كما ذكرناهم من قبل أبوبكر وعمر و عثمان و علي ثم الحسن بن علي ثم معاوية ثم عبد الله بن الزبير و عمر بن عبد العزيز و المهتدي بالله ا لعباسي و الظاهر بأمر الله العباسي و ابنه الخليفة المستنصر بالله ثم المهدي عليه السلام .
----------------------------------------------------------------
(1) الحديث أخرجه اصحاب السنن وصححه ابن حبان وقال أحمد بن حنبل حدثنا يهز حدثنا حمد بن سلمة حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( الخلفة ثلاثون عاما .. الحديث )) .
(2) قال السيوطي حديث حسن .
(3)أخرجه الشيخان و غيرهما و له طرق و ألفاظ ذكرها السيوطي منها (( لا يزال هذا الامر صالحا )) (( لا يزال الامر ماضيا )) عند أحمد (( لايزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا )) رواه مسلم وعند البزار (( لايزال أمر أمتي قائما حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش )) .
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي .
(5) المروانيين هم من بقي من أمراء بني امية الذين هربوا إلى المغرب الاقصى واستولوا عليه وحكموا الاندلس و اول امير لهم عبد الرحمن بن معاوية .
(6) تاريخ الخلفاء .
(7) الحديث رواه أحمد و اخرجه اصحاب السنن و صححه ابن حبان وغيره و نصه (( الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك )) .
( الباب الثالث )
أول الخلفاء الراشدين
أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
* سيرته ونشأته و إسلامه .
* شجاعته وعلمه و أخلاقه .
* صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم .
* خلافته للمسلمين .
* حروب الردة و الفتوحات في عهده .
* أهم أعماله في خلافته .
((1))
أبو بكـــر الصديق رضي الله عنه
أول الخــلفاء الراشدين
توقفت كثيرا حين أردت أن أكتب عن الصديق رضي الله عنه ، وكيف لا وهو الذي لقب بلقب اختص به قال الربيع بن أنس : مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع ، و أيضا : نظرنا في صحابة الأنبياء فما وجدنا نيبا له صاحب مثل أبي بكر الصديق ، و قال الزهري : من فضل أبي بكر أن لم يشك في الله ساعة قط ، فقد كان الوزير لرسول الله صلى الله عليه وسلم يشاوره في أموره و كان ثانيه في الإسلام وفي الغار ، وفي العريش يوم بدر و ثانيه في القبر ، و لم يكن يقدم عليه أحدا .
من أجل هذا و غيره الكثير لم يكن الأمر سهلا أن أكتب عن هذا الصديق الذي أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عنه : (( ما نفعني مال قط ما نعني مال أبي بكر )) فبكى أبو بكر و قال : هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ؟ (1) .
و قال أيضا : (( ما لأحد عندنا بد إلا و قد كافأناه إلا أبا بكر فإن له عندا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة و ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر )) (2) .
و فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي ، إني قلت : أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ، فقلتم : كذبت ، و قال أبوبكر : صدقت )) .
كان الصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم و لم يفارقه حتى توفى و دفن بجواره في القبر و شهد معه المشاهد و الغزوات كلها إنه ثاني اثنين إذ هما في الغار قال تعلى ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) (3).
** بطاقة تعـارف **
اسمه عبد الله بن أبي قحافه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مره(4) .
وقيل أن اسمه عتيق و الصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقا لقب وليس اسما و أن اسمه عبد الله ولقب عتيقا لعتقه من النار و قيل لعتاقة وجهه أي حسنه وجماله كما قال ذلك مصعب بن الزبير و الليث ابن سعد وغيرهما (5) .
ولقب بالصديق لأنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم و لم يشك أبدا في رسول الله صلى الله عليه وسلم و لازم الصدق ، و أجاب الكفار حين ذكروا له أن النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنه أسرى به إلى بيت المقدس في واقعة الإسراء و المعراج فقال قولته الشهيرة : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال لقد صدق (6) .
وقيل أن الذي لقبه عتيقا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر ( 7 ) ، وقال عبد الله بن الزبير : كان اسم أبي بكر عبد الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنت عتيق الله من النار )) فسمي عتيقا (8) .
و أخرج الدارقطني و الحاكم عن أبي يحيى قال : لا أحصى كم سمعت عليا يقول على المنبر : إن الله سمى أبا بكر على لسان نبيه عتيقا .
و أخرج الطبراني في الأوسط موصولا عن أبي وهب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به ، فكان بذي طوى ، قال يا جبريل إن قومي لا يصدقونني ، قال : ( يصدقك أبو بكر ، و هو الصديق )) (9) .
** تاريخ الميــــلاد **
ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين و أشهر ، ومات و عمره ثلاثة و ثلاثين عاما ، ومكان الميلاد مكة المكرمة .
** العمـــــل **
كان يعمل بالتجارة وله مال جزيل في قومه و له رئاسة فيهم في الجاهلية فكان إليه أمر الديات و الغرم .
قال عنه ابن الدغنه : إنك لتصل الرحم ، و تصدق الحديث ، وتكسب المعدوم و تحمل الكل و تعين على نوائب الدهر و تقري الضيف .
لم يشرب الخمر في الجاهلية و لم يقل شعرا في حياته (10) .
** إســـــلامه **
أول من أسلم من الرجال ، ذكره ابن عســـاكر عن طريق الحارث عن علي رضي الله عنه قال : أول من أسلم من الرجال أبو بكر ، و أيضا ابن عباس رضي الله عنهما قال العلماء : أول من أسلم من الرجال أبو بكر و أول من أسلم من النســاء خديجة و أول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب (11) .
وقال ابن كثير : والظاهر أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم آمنوا قبل كل أحد : زوجته خديجه و مولاه زيد ، و زوجة زيد أم أيمن و علي وورقة .
وسئل محمد بن الحنفية هل كان أبو بكر أول القوم إسلاما قال : لا قلت فبم علا أبو بكر و سبق حتى لا يذكر أحد غير أبي بكر ، قال : لأنه كان أفضلهم إسلاما من حين أسلم حتى لحق بربه (12) .
وعن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن قال لأبيه سعد : أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاما ؟ قال : (( لا ولكنه أسلم قبله أكثر من خمسة ، ولكن كان خيرنا إسلاما )) (13) .
وقال صلى الله عليه وسلم عن إسلام أبي بكر : (( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة و تردد و نظر ، إلا أبا بكر ، ماعتم عنه حين ذكرته و ما تردد فيه ))(14) عتم أي لبث .
و ابن عباس رضي الله عنهما قال ك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما كلمت في الإسلام أحدا إلا أبي علي وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافه فإني لم أكلمه في شئ إلا قبله و استقام عليه )) (15) .
و عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ إني قلت : أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ، فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت )) (16) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد عن أبي هريرة و أخرجه أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنهما مرفوعا .
(2) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما أحد عندي أعظم من أبي بكر واساني بنفسه وماله و أنكحني ابنته )) .
(3) سورة التوبة : آية 40 .
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي .
(5) تهذيب الأسماء للنووي .
(6) أخرجه أبو يعلى في مسنده و ابن سعد و الحاكم و صححه عن عائشة رضي الله عنها .
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها و الطبراني أيضا .
(8) أخرجه البزار والطبراني بسند جيد .
(9) ذكره أيضا سعيد بن منصور في سننه قال حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة و ذكر الحديث . و أخرج الطبراني بسند جيد صحيح عن حكيم بن سعد قال : سمعت عليا يقول ويحلف لأنزل الله اسم أبي بكر من السماء الصديق .
(10) أخرج أبو نعيم بسند جيد عن عائشة قالت : لقد كان حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية و أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن الزبير قال : ما قال أبو بكر شعرا قط .
(11) ذكره أبو حنيفه .
(12) أخرجه ابن أبي شيبة و ابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد .
(13) أخرجه ابن عساكر بسند جيد .
(14) ذكره إبن اسحاق عن الحصين التميمي و أشار إليه السيوطي في التاريخ ص27.
(15) أخرج أبو نعيم و ابن عساكر .
(16) أخرجه البخاري في صحيحه .
يبتع ،،،،،
]
** شجاعته و علمه و أخـــلاقه **
كان شجاعا في الجاهلية و الإسلام ، دافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و ببسالة نادرة في جميع المشاهد و الغزوات و كان معه في العريش يوم بدر شاهرا سيفه في وجه الكفار (1) .
وعن عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم و هو يصلى فوضع رداءه في عنقه ، فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال : (( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم )) . أخرجه البخاري . ولقد فضل علي ابن أبي طالب أبا بكر على مؤمن آل فرعون فقال :(( ذاك رجل يكتم إيمانه و هذا رجل أعلن إيمانه )) (2) .
ولم يكن هناك من المسلمين الأوائل من ينازع أبا بكر رضي الله عنه في إنفاقه في سبيل الله ، فقد كان يأتي بماله كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لينفقه في سبيل الله في مواقف كثيرة ، ولقد أسلم رضي الله عنه و له أربعون ألف دينار فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك ابن عساكر عن عائشة رضيا لله عنها و عروة بن الزبير و ذكره غيره (3) .
و أعتق رضي الله عنه سبعة كلهم يعذب لإسلامه و على رأسهم بلال بن رباح رضي الله عنه (4) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في مال أبي بكر رضي الله عنه كما يقضي في مال نفسه ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مانفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر )) فبكى أبو بكر وقال : هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟ (5) و أجمع المفسرون على أن المقصود بالأية رقم 18 من سورة الليل هو أبو بكر قالها ابن الجوزي قال تعالى (( و سيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى )) .
و في غزوة تبوك جاء الأصحاب بما لديهم لإنفاقه في الاستعداد لغزوة تبوك ، فجاء بعضهم بنصف ماله و البعض بجزء من ماله أقل من النصف وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما لديه من مال (( أربعة آلاف درهم )) وحين سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذي تركه من مال لأهله قال قولته الشهيره (( أبقيت لهم الله ورسوله )) (6) .
و كان رضي الله عنه من أعلم الصحابة و قد سئل ابن عمر رضي الله عنهما من كان يفتي الناس في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ما أعلم غيرهما ذكر ذلك السيوطي في تاريخه .
وقال ابن كثير : كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة لأنه صلى الله عليه وسلم قدمه إماما في الصلاة بالصحابة رضي الله عنه مع قوله : (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )) واستدل العلماء على أن أبا بكر أعلم الصحابة لقوله فيما رواه الشيخان عنه : (( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه )) .
وقد وافق الصحابة كلهم أبا بكر هذا الرأي بعد أن كانوا يعارضونه بعد أن أفهمهم الصواب و فقه الحديث أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من العرب وقالوا : نصلى ولا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت : ياخليفة رسول الله تألف الناس و ارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال : رجوت نصرتك و جئتني بخذلانك جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام بما عسيت أن أتألفهم ؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفترى ؟ هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم و انقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيفك في يدي و إن منعوني عقالا ، قال عمر : فوجدته في ذلك أمضى مني و أحزم و آدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤنتهم حين وليتهم .
و اختلف الصحابة في مكان دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى ، فما وجد عند أحد علما في ذلك سوى أبي بكر رضي الله عنه حين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه ، و اختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد علما إلا أبا بكر الذي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة )) (7) .
و أخرج الشيخان و غيرهما أنه حين ارتدت طوائف من العرب عن الإسلام و منعوا الزكاة ، فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم فقال : والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها ، فقال عمر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فمن قالها عصم من ماله ودمه إلا بحقها و حسابه على الله )) فقال أبو بكر . والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة فإن الزكاة حق المال و قد قال : (( إلا بحقها )) قال عمر : (( فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق )) .
وهناك أيات ذكرت أبا بكر رضي الله عنه دون التصريح بإسمه و أجمع المفسرون أنها نزلت فيه ، منها قوله تعالى : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ) (8) أجمع المفسرون على أن الصاحب المذكور في الآية أبو بكر و أن الذي أنزل عليه السكينة هو أبو بكر رضي الله عنه .
وقوله تعالى في سورة الليل 1-4 (( إن سعيكم لشتى )) المقصود هو أبو بكر و أمية و أبي بن خلف . وذلك عندما اشترى بلال منهما وأعتقه لله .
وقوله تعالى : ( و سيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) سورة الليل الآية 19 قال المفسرون المقصود بالآية هو أبو بكر رضي الله عنه لعتقه سبعة كلهم يعذب في الله .
و أخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( وشاورهم في الأمر ) سورة آل عمران : الأية 159 قال : نزلت في أبي بكر وعمر وأخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال : عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ) (9) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل و ميكائيل و أما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر )) (10) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر و عمر )) ( 11) .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من أنفق زوجين من شئ من الأشياء في سبيل الله دعى من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان )) فقال أبو بكر : ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدى منها كلها أحد يا رسول الله ، قال : (( نعم . فأرجوا أن تكون منهم يا أبا بكر )) (12) .
و في رواية قال صلى الله عليه وسلم : (( أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي )) (13) .
و أخرج ابن عساكر عن المقدام قال : استب ـ شتم ـ عقيل بن أبي طالب و أبو بكر قال : وكان أبو بكر نسابا ، غير أنه تحرج من قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ، وشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : (( ألا تدعون لي صاحبي ؟ ما شأنكم و شأته ؟ فو الله ما منكم إلا على باب بيته ظلمة ، إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور ، فو الله لقد قلتم كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ، و أمسكتم الأموال وجاد لي بماله و خذلتموني و واساني و اتبعني )) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا . قال فمن تتبع اليوم منكم جنازة ؟ قال أبوبكر : أنا ، قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبوبكر : أنا ، قال : فمن عاد اليوم منكم مريضا ؟ قال أبوبكر: أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة )) (14) .
قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم (15) .
(1),(2) أخرج البزار في مسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال لأصحابه :أخبروني من أشجع الناس : فقالوا : أنت ، قال : أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ، ولكن أخبروني بأشجع الناس قالوا : لانعلمه قال : أبو بكر ، إنه لما كان يوم بدر فجعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين . فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا سيفه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(3) أخرج أبو سعيد بن الإعرابي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أسلم أبو بكر رضي الله عنه يوم أسلم و في منزله أربعون ألف درهم ، فخرج إلى المدينة في الهجرة و ماله معه خمسة آلاف كل ذلك ينفقه في الرقاب و العون على الإسلام .
(4) أخرجه ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها .
(5) أخرجه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه و أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها مثله .
(6) أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حسن صحيح و الدارمي و الحاكم و البيهقي و أبو نعيم في الحلية و غيرهم عن عمر رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق ، ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . و أتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال له : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ . قال : أبقيت لهم الله ورسوله ، قلت : لا أسبقه إلى شئ أبدا .
(7) أخرجه أبو القاسم البغوي و أبو بكر الشافعي في فوائده و أن عساكر عن عائشة وذكره السيوطي في التاريخ قال بعض العلماء : وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة رضي الله عنهم فقال بعضهم يدفن بمكة بلده الذي ولد بها ، وقال آخرون : بل بمسجده وقال آخرون : بل بالبقيع وقال آخرون : بل في بيت المقدس مدفن الأنبياء. حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من العلم ، وقال ابن زنجويه : وهذه سنة تفرد بها الصديق بين المهاجرين و الأنصار رجعوا إليه فيها .
(8) سورة التوبة : 40 .
(9) سورة التوبة : 40 .
(10) أخرجه الترمذي و ذكره السيوطي في التاريخ .
(11) أخرجه الترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما .
(12) أخرجه الشيخان البخاري و مسلم .
(13) أخرجه أبو دواوود والحاكم صححه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
(14) أخرجه مسلم في صحيحه وقد ورد الحديث أيضا من وراية أنس بن مالك أخرجه البيهقي و في أخره (( وجبت لك الجنة )) .
(15) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان .
]
====================================
** خلافــــته **
اجتمع المسلمون يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على أبو بكر رضي الله عنه و بايعوه بالخلافة يوم الأثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية .
و لم تأت بيعة الصديق بالخلافة وليدة الصدفة و لم تكن سهلة المنال ، فبعد أن أعلن أبو بكر رضي الله عنه على الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة و على رأسهم زعيم الخزرج الصحابي سعد بن عبادة و دارة مناقشات بين المهاجرين والأنصار في أحقية من يتولى الحكم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرون أم الأنصار وكان ذلك مولد الدولة الإسلامية الجديد بعد انتهاء عصر النبوة ، و شجع الأنصار على المطالبة بأحقيتهم للحكم سعد ابن عبادة فقام خطيبا فيهم قائلا : (( يا معشر الأنصار إن لكم لسابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب ، و إن محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد و الأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال و ماكانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله و لا يعزوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به ، فلما أراد لكم بركم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة ، فرزقكم الله الإيمان به و برسوله ، والمنع له و لأصحابه ، و الإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه منكم ، وأثقله على عدوه من غيركم ، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد الحقارة صاغرا داحرا وحتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ، ودانت بأسيافكم له العرب ، وتوفاه الله وهو عنكم راض ونام قرير العين لما بدوا بهذا دون الناس ، فإنه لكم دون الناس )) .
وقف أبو بكر خطيبا يرد على حجج الأنصار ويبين أحقية المهاجرين في خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : (( عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه و الإيمان به ، والمواساة والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم ، وكل الناس مخالف لهم ، زاد عليهم فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس بهم ، و إجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض ، وآمن بالله و بالرسول ، وهم أولياؤه و عشيرته ، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده لا ينازعهم ذلك إلا ظالم . وأنتم يا معشر الأنصار من ينكر فضلهم في الدين ، و لا سابقتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصارا لذينه ورسوله وجعل إليكم هجرته و فيكم جلة أزواجه و أصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء و لاتفتاتون بمشورة و لا تقضى دونكم الأمور )) .
ورد أحد الأنصار على أبي بكر قائلا : (( أما بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام و أنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم ، و إذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا و يفضونا الأمر )) .
رد أبو بكر قائلا : (( أيها الناس نحن المهاجرين أول الناس إسلاما و أكرمهم أحسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها و اكثرهم ولداة في العرب ، و أمسهم رحما برسول الله ، أسلمنا قبلكم . وقدمنا القرآن عليكم فقال الله تعالى : ( و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوهم بإحسان )
فنحن المهاجرين و أنتم الأنصار أخواننا في الدين و شركاؤنا في الفئ ، و أنصارنا على العدو أما ما ذكرتم فأنتم أهل و أنتم أجدر بالثناء بين أهل الأرض جميعا فأما العرب فلن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش فمنا ألأمراء ومنكم الوزراء .
واشتد النقاش و احتدم حين قال الحباب بن المنذر من الأنصار :(( يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم ، و لن يجترئ على خلافتكم و لن يصدر الناس إلا عن رأيكم و أنتم أهل العز والثروة و أولو العدة والمنعة و التجربة وذوو اليأس و النجدة ، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم و يقتضي عليكم أمركم إن هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير )) .
ورد عمر بن الخطاب على صاحب الرأي الأخير قائلا : (( هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولكن لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولى أمورهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة ، والسلطان المبين ، من ذا ينازعنا سلطان محمد و إمارته ونحن أولياؤه و عشيرته إلا مدل بباطل أو متتجانف لإثم ، أو متورط في هلكه )) .
و بعد مقولة عمر رضي الله عنه اشتد الجدل ورد عليه الحباب بن المنذر : (( يا معشر الأنصار املكوا على يديكم و لاتسمعوا مقالة هذا و أصحابه فيذبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم من البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإن بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ، ممن لم يكن يدين ، أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب ، أما والله إن شئتم لنعديها جذعة )) .
ورد عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا : (( إذن يقتلك الله )) وشهر الحباب سيفه وانتزعه منه عمر وتدخل أبو عبيدة بن الجراح قائلا : (( يا معشر الأنصار كنتم أول من نصر وآزر فلاتكونوا أول من بدل وغير ))
ومال بعض الأنصار إلى مقولة أبي عبيدة منهم بشير بن سعد من زعماء الخزرج فقال :(( إنا والله و إن كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ماأردنا به إلا رضا ربنا ، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا ، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، و لا نبتغي من الدنيا عرضا ، فإن الله ولى النعمة علينا بذلك ، إلا أن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش ، وقومه أحق به و أولى ، ووالله لا يراني الله أنازعهم في هذا الأمر أبدا ، فاتقوا الله ولا تخالفهوم و لا تنازعوهم )) .
و هنا عمد ابن الخطاب رضي الله عنه إلى إنهاء المناقشة وحسم الخلاف فقام إلى أبي بكر رضي الله عنه ومد له يده وقال : ابسط يدك يا أبا بكر ولما بسط أبو بكر يده بايعه عمر وهو يقول ؟ ألم يأمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي أنت يا أبا بكر بالمسلمين فأنت خليفة رسول الله ، فنحن نبايعك لنبايع خير من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منا جميعا .
و بايع أبو عبيدة أبا بكر قائلا : (( إنك أفضل المهاجرين و ثاني اثنين إذ هما في الغار و خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام أفضل لدين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك )) .
و بايع الحاضرون من الأنصار أبا بكر رضي الله عنه وعلى رأسهم البشير ابن سعد الذي سبق الجميع لمبايعة أبي بكر و لم يبايع من الأنصار سعد ابن عبادة ، و سميت هذه البيعة بالبيعة الخاصة لاقتصارها على كبار الصحابة (1) .
و كان الأنصار في بداية الأمر يرغبون في تولية سعد بن عبادة أمر الإمارة والخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو زعيم الخزرج ، وكان مريضا يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخرجوه وهو مريض .
واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وكان ما ذكرنا حتى قام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال : يا معشر الأنصار إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسالفة في هذا الدين و ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا ، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، و لا نبتغي به من الدنيا عرضا ، فإن الله ولى المنة علينا لذلك ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم و لاتنازعوهم )) .
وعندما تقدر عمر بن الخطاب لمبايعة أبي بكر رضي الله عنه سبقه إليه البشير بن سعد رضي الله عنه ، فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد عقتك عقاق ، ما أحوجك إلى ما صنعت ، أنفست على ابن عمك الإمارة ـ يقصد سعد بن عبادة ـ فقال البشير بن سعد : لا والله ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم .
و لما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش و ما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، قال بعضهم لبعض ، وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر .
فقاموا إليه فبايعوه فانكسر على سعبد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم .
قال هشام : قال أبو مخلف : فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي أن أسلم ـ قبيلة ـ أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك ـ الطرق ـ فبايعوا أبا بكر ، فكان عمر يقول : (( ما هو إلا أن رأيت أسلم ، فأيقنت بالنصر )) (2) .
و أقبل الناس من كل مكان لمبايعة أبي بكر رضي الله عنه حتى كادوا يطئون سعد بن عبادة . فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعدا لا تطئوه ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله ! ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك ، فأخد سعد بلحيته ـ أي لحية عمر ـ فقال : والله لو حصصت منه شعره ما رجعت و في فيك واضحة ، فقال أبو بكر : مهلا يا عمر ! الرفق ههنا أبلغ . فأعرض عنه عمر وقال سعد : أما والله لو ان بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا بحجرك و أصحابك ، أما والله إذا لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا لا متبوعا ؟ احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره ، وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك ، فقال : أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل ، وأخضب سنان رمحي ، و أضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، و أقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي ، فلا أفعل و أيم الله لو أن الجن لكم مع الأنس ما بايعتكم ، حتى أعرض على ربي ، و أعلم ما حسابي ، ورفض سعد بن عبادة مبايعة الصديق رضي الله عنه و قال عمر لأبي بكر : لاتدعه حتى يبايع فقال له البشير بن سعد : (( إنه قد ولج و أبى و ليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده و أهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد .
فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد و استنصحوه لما بدا لهم منه ، فكان سعد لا يصل بصلاتهم و لا يجمع معهم و يحج و لا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رضي الله عنه (3) .
بايع المسلمون البيعة العامة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح اليوم التالي حين ذهب الصديق و معه عمر بن الخطاب الذي قال للناس في المسجد : (( إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوا )) .
وتقدم الناس إلى مبايعة الصديق رضي الله عنه وسميت تلك البيعة بالبيعة العامة .
وقامت و أسست الخلافة الراشدة من يومها على القواعد التالية : أن إقامة الخلافة أمر واجب مقدس لقد كره المسلمون أن يبقوا يوما واحدا دون جماعة لها رئيس أو أمير مطاع حتى قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم ، إقرار الانتخاب الحر بالبيعة الخاصة و هم أهل العقد و الحل ثم البيعة العامة للناس ، تحديد سلطة الخليفة بالقرآن والسنة النبوية كما سيأتي في خطاب أبي بكر للأمة فور توليه الخلافة مباشرة وهي بمثابة الدستور الإسلامي .
-----------------------------------------------------------
[
(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان .
(2) تاريخ الطبري بتصرف ، وتاريخ العالم الإسلامي د . إبراهيم أحمد العدوي بتصرف .
(3) تاريخ الأمم و الملوك للطبري بتصرف .
[
====================================
** خطبة أبي بكـــر عقب البيعة العامة **
قال فيها : بعد أن حمد الله و أثنى عليه بما هو أهله . ثم قال : (( أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني ، و إن أسأت فقوموني . الصدق أمانة والكذب خيانة ، و الضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله ، و القوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، و لا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله )) . (1)
ونظر أبو بكر رضي الله عنه فلم ير الزبير بن العوام فدعى بالزبير فجاء فقال : لاتثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فم ير عليا فدعى بعلي بن أبي طالب لم يبايع الصديق رضي الله عنه أو تأخرت بيعته في وفاة فاطمة رضي الله عنها و أن علي بن أبي طالب صااحب الصديق رضي الله عنه فترة خلافته ، و لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف علي بن أبي طالب أو غيره فقد قيل لعمر بن الخطاب لما طعن : الا تستخلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر و إن أترك فقد ترك من هو خير مني ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ (3)
وقال ابن كثير في البداية والنهاية : (( من تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة المهاجرين منهم والأنصار على تقديم أبي بكر ، وظهر برهان قوه عليه السلام ، (( يأبى الله و المؤمنون إلا أبا بكر )) سلم لم ينص على الخلافة عينا لأحد من الناس ، لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة ، ولا لعلي كما يقول طائفة من الرافضة ، ولكن أشار إشارة قوية يفهمها كل ذي لب و عقل إلى الصديق كما قدمناه وسنذكره )) .
أخرج الدارقطني عن ابن عمر قال : لما برز أبو بكر و استوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها وقال : إلى أين يا خليفة رسول الله أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك ، وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا .
ومن الأحاديث التي أشار إليها العلماء في استخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ضمنا ما رواه الشيخان عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن أبيه ، قال : أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها أن ترجع إليه ، فقالت : أرأيت إن جئت ولم أجدك و كأنها تقول : الموت قال صلى الله عليه وسلم : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . و أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد سبق ذكر ماقاله الأصحاب رضوان الله عليهم في فضل أبي بكر رضي الله عنه و كل ما قيل من استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لعلي إنما من زعم الرافضة و الشيعة و لا أساس له في الدين فقد بايع علي بن أبي طالب الصديق رضي الله عنهما ، قال عبد الرحمن بن عوف : خطب أبو بكر فقال : والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما و لا ليلة قط ، ولا كنت راغبا فيها ، و لا سألتها الله في سر و لا علانية ، ولكني أشفقت من الفتنة ، ومالي في الإمارة راحة ، لقد قلدت أمرا عظيما مالي به طاقة ولا يد إلا بتقوية الله ، فقال علي و الزبير : ما غضبنا إلا لانا أخرنا عن المشورة و إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها ، إنه لصاحب الغار ، و إنا لنعرف شرفه وخيره و لقد أمره رسول لله صلى الله عليه وسلم في الصلاة بالناس وهو حي . (3) و سبب عدم حضور على بن أبي طالب و الزبير بن العوام سقيفة بني ساعدة لانشغالهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاته و أن أبا بكر وعمر قد علما باجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار أمير منهم وهو سعد بن عبادة كما ذكرنا . وبعد اختيار أبي بكر بايع علي و الزبير الصديق رضي الله عنه كما أشرنا من قبل .
وقد تكلمت الرافضة و الشيعة في الخلاف الذي وقع بين السيدة فاطمة رضي الله عنها و أبي بكر عندما طلبت ميراثها من مال أبيها صلى الله عليه وسلم ورد عليها أبو بكر قائلا : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن النبي لا يورث )) وهذه سنة الله مع أنبيائه . فما تركوه صدقة . وقالت السيدة فاطمة رضي الله عنها أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الغرض من طلبها لحقها من الميراث هو استمرار النفقة على من كان يعولهم الرسول صلى الله عليه وسلم (4) وطلبت السيدة فاطمة رضي الله عنها أن يكون زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك فعتبت عليه في ذلك ، وعندما مرضت السيدة فاطمة رضي الله عنها أتاها أبو بكر رضي الله عنه فاستأذن عليها ، فقال علي لفاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت : أتحب أن آذن له ؟ قال : نعم ؟ فأذنت له فدخل عليها يترضاها . فقال : والله ماتركت المال و الأهل و العشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ، و مرضاة رسوله و مرضاتكم أهل البيت . ثم ترضاها حتى رضيت (5) . وهذا أحسن ما قيل في هذه المسألة و الله أعلم . وتوفيت رضي الله عنها في شهر رمضان بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على الأرجح ، وعمرها أربعة وعشرون عاما .
--------------------------------------------------------------
(1) البداية والنهاية لابن كثير .
(2) أخرجه الشيخان من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر .
(3) أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه و الحاكم و صححه .
(4) ابن كثير في البداية والنهاية .
(5) أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي عن ابي عبد الله محمد بن يعقوب عن محمد بن عبد الوهاب عن عبد الله بن عثمان القبكي بنيسابور عن أبي حمزة عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي وقال بن كثير
في البداية والنهاية وهذا إسناده قوي .
تعليقات