كتاب من يحكم العالم سرا لمنصور عبد الحكيم ج4
تابع كتاب من يحكم العالم ج4
6
ماحدث قديمًا يحدث حديثًا.
الصراع القديم بين الأصوليين المسيحيين.
ظهور الطائفة الغنوسطية والإيسيين والبحث عن الأسرار.
هل موسى عليه السلام كان مصريا ام يهوديا؟.
ما حدث قديمًا يحدث حديثًا:
هناك مقولة تقرر أنه لا شيء جديد، كل شيء قد عمل أو قيل مسبقًا، فإننا لا نذكر ماذا حدث قديمًا وإن الأجيال القادمة لا أحد منهم سوف يتذكر ماذا فعلنا نحن في الماضي!!.
إنه عالم الأسرار والخفايا، فإذا أردت أن تفهم ما يحدث وتستوعبه عليك أن تدرك ما قد مضى وانقضى، فمن خلال معرفتك بالماضي البعيد تدرك الحاضر والمستقبل القريب، فإن الزمن في الغالب يتكرر بأشكال وأحداث وأسماء متشابهة ولأننا كثيرًا ما ننسى، فإننا نشعر أن ما يحدث إنما هو جديد.
ولكل زمان رجاله وكلماته وأيضا منظماته السرية، فالمنظمات والطوائف السرية التي تزعم أنها تملك المعرفة القديمة كانت موجودة في الزمن الماضي والتاريخ السابق بأسماء أخرى وشخصيات مختلفة.
وقد مزجت هذه المنظمات السرية بين الأفكار الدينية والأفكار الفلسفية والرموز السرية لكل طائفة أو منظمة كما هو الحال مثلاً في المنظمات الماسونية الرمزية.
تقدم تلاميذ المسيح ابن مريم وسألوه: لماذا تكلمهم بالأمثال؟.
فأجاب: لأنه قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، أما أولئك ـ أي العامة ـ فلم يعط لهم ذلك، فإن من عنده المعرفة يعطي المزيد فيفيض، وأما من ليس عنده، فحتى الذي عنده ينتزع منه، لهذا السبب أكلمهم بأمثال، فهم ينظرون دون أن يبصروا، ويسمعون دون أن يسمعوا أو يفهموا.
لقد كان حديث وكلام المسيح عليه السلام لليهود بالرمز والمثل كي يفهموا ما يقوله لهم.
فالقاعدة هي أن نخاطب الناس على قدر عقولهم كي يفهموا، ورغم أن أمثاله واضحة وأنهم فهموها جيدًا إلا أنهم رفضوا اتباعه، لأنه جاء لهم على غير ما كانوا يريدون، فهم يريدون رسولاً ملكًا يحكم ويسيطر ويقتل ويفعل الأفاعيل من أجل السيطرة على الشعوب وحكمها، لذلك فهم لم يعترفوا بالمسيح ابن مريم عليه السلام وما زالوا ينتظرون المسيح الآخر حتى اليوم، لأن في اعتقادهم الخاطئ أن المسيح لم ينزل حتى الآن. وإنهم ينتظرون مسيحًا آخر على شاكلتهم..
إنهم ينتظرون المسيح الدجال، مؤسس الماسونية وراعيها وزعيمها الأول والأخير.
لقد ظهر تنافس قوى بين أتباع المسيح ابن مريم وابن خالته يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) كان التنافس بين الأتباع حول مفهوم وعقيدة، لقد فهم أتباع يوحنا المعمدان أنه هو المسيح المخلص، لأنه كان يعمد الناس والأتباع في نهر الأردن ويخلصهم من الذنوب ويدخلهم ملكوت الله، ورغم اندثار هذا الخلاف وأنصاره إلا أنهم مازالوا موجودين حتى الآن في أرض العراق([1]).
الصراع القديم بين الأصوليين المسيحيين:
كان أتباع المسيحية منذ ظهورها في القرن الأول الميلادي من اليهود الذين اتبعوا المسيح عليه السلام.
فلقد أرسل المسيح إلى بني إسرائيل، فهو أحد أنبيائهم إلا أنهم كعادتهم مع الأنبياء والرسل حاربوه وأنكروه وحاولوا قتله وصلبه، والقلة القليلة آمنت به واتبعته ثم انتشروا في بقاع الأرض يبشرون بدعوته ويدعون غير اليهود إلى الإيمان برسالته.
وظهرت طائفتان، إحداهما وهم المسيحيون من بني إسرائيل، والأخرى طائفة المسيحيين من الشعوب الأخرى من اليونان وغيرها.
وظهر الشقاق بين الطائفتين في القرن الأول، فقد هاجم اليهود الأتقياء غيرهم من الغرباء لانشغالهم بممارسة رياضة المصارعة الرومانية والحديث والجدل حول مصارعيها وتركهم الصلوات في المناسبات الدينية.
وظهرت الخلاف بين قادة كنيسة القدس جيمس يعقوب ومريم المجدلية وبين بولس الرسول الذي كان يبشر بالمسيحية إلى غير اليهودية، والخلاف في مسائل تعد دينية مثل الختان.
فلقد اعتقد المسيحيون الأوائل أن طاعة الشراع اليهود الصارمة كلها بما فيها الختان أمر واجب على المسيحيين حتى يتم لهم الخلاص.
وأما بولس فكان يعتقد أن الخلاص يمكن الحصول عليه من خلال الإيمان وأن الشرائع اليهودية يجب أن لا يسمح لها بإعاقة الناس عن أن يصيروا مسيحيين في النهاية.
ولأن بولس سهل المسيحية كثيرا فقد انتشرت دعوته بين الشعوب غير اليهودية ودخلوا في الدين المسيحي الجديد الذي أتى به بولس نفسه، فهو مؤسس المسيحية الحديثة بكل كنائسها وعقائدها، أما ما جاء به المسيح نفسه فكان مكملاً لما جاء به موسى عليه السلام وأنبياء الله السابقون.
ولذلك قال لليهود: ما جئت لأنقض الناموس وإنما جئت لأكمله. وبحلول القرن الثالث تنامي عدد المسيحيين من غير اليهود إلى الحد الذي صار فيه المسيحيون اليهود الأصل قلة قليلة، ثم هاجم المسيحيون الذين اتبعوا تعليمات بولس غيرهم بالهرطقة والكفر.
وأصبح اسم المسيحيين اليهود بالناصرة، وهم أتباع يسوع ويعقوب جيمس، حتى إن أسقف ليون "ايرينايوس" في منتصف القرن الثاني شجب وهاجم أتباع يسوع ويعقوب جيمس ـ الناصريين ـ واتهمهم بالكفر والهرطقة وقال عنهم: ((إنهم بالمسيح ذاته، بالإضافة إلى الإيسيين و"الزادوكيين"([2]) لقرنين سابقين، يشرحون ويدافعون بالحجة على ضوء كتب النبوءات في العهد القديم)).
وأضاف "أيرينايوس" : ((إنهم يرفضون رسائل بولس، ويرفضون بولس الرسول، داعين إياه مرتدا ـ رافضًا ـ عن الشريعة)).
وبالفعل فقد رفض الناصريون بولس باعتباره مرتدًا خارجًا ورسولاً زائفاً زاعمين أن كتاباته الوثنية يجب أن ترفض وهؤلاء الناصريون القدماء هم الإنجيليون الجدد في أمريكا وأوربا الذين يقودون العالم إلى الهلاك بدعوى تحقيق نبوءات العهد القديم وقيام حرب هرمجدون النووية مع الفارق أن الناصريين القدماء كانوا اليهود الذين اعتنقوا المسيحية وآمنوا بها وبالمسيح على أنه جاء مكملاً لما أتى به موسى عليه السلام، وأن الناصريين الجدد أو الأصوليين الجدد، الإنجيليين العسكريين منهم من اليهود والمسيحيين خليط متجانس الأهداف والعقيدة ويكفرون أيضا من خالفهم من المسيحيين، فمن هو بولس الرسول؟.
بولس الرسول: يطلق عليه المسيحيون القديس بولس، واسمه شاؤول عاصر السيد المسيح عليه السلام وكان أصغر منه في السن، ولد بولس في طرسوس وكان مواطنا رومانيا تفقه ثقافة اليهود منذ الصغر وتعلم حرفة صناعة الخيام، شارك في عداوة المؤمنين برسالة المسيح عليه السلام وتعذيبهم من بداية الأمر، وبعد رفع المسيح عليه السلام إلى السماء، وقيل أنه رأى رؤيا في منامه أن المسيح قد تكلم معه وأمره باتباعه والتبشير بدعوته، فتحول بولس إلى المسيحية وأصبح من أنصار الدين المسيحي الجديد.
وحمل بولس رسالة التبشير بالمسيحية في الشعوب الغير يهودية في آسيا الصغرى واليونان وفلسطين، وحاربه اليهود كما حاربوا المسيح، وحارب المسيحيين اليهود لأنه دعى إلى دين جديد لم يأت به المسيح نفسه، وأطلقوا عليه رسول الكفار.
ونجح بولس في نشر المسيحية الغير مرتبطة باليهودية واليهود، وطور علم اللاهوت المسيحي وأصبحت رسائله وكتاباته التي ألفها قسمًا كبيرًا من العهد الجديد ففي السبعة والعشرين إصحاحًا في العهد الجديد هنالك ما لا يقل عن أربعة عشر إصحاحًا تعزى إلى بولس، وكانت فكرته بالنسبة للمسيح: أن المسيح لم يكن مجرد نبي معهم بل كان فعلاً إلهًا وأن المسيح مات من أجل خطايا البشر وأن الامة تخلصنا وتفتدينا وأن الإنسان لا يمكن أن يحصل على الخلاص من الخطيئة بمجرد تمسكه بالأوامر الكهنوتية، ولكن فقط بتقبل المسيح، وكذلك بالعكس إذا تقبل أحد المسيح فإن خطاياه سوف تغفر له([3]).
ولم يتزوج بولس وكانت وجهة نظره للجنس والنساء سببا في ظهور مواقف خاصة به فيما بعد، وقال لأتباعه: ((أني أقول لأولئك الذين لم يتزوجوا وللأرامل إنه من الخير العميم لهم أن يعيشوا كما عشت، ولكن إذا لم يستطيعوا أن يطبقوا صبرا فليتزوجوا لأنه من الأفضل أن تتزوج على أن تحترق)).
وهكذا أصبح بولس المسئول الأول عن تحويل الديانة المسيحية من فرقة يهودية إلى دين عالمي.
ولذلك فإن علم اللاهوت المسيحي مدين لبولس الرسول.
فالمسيح كما يقول مايكل هارت قدم رسالة روحية ولكن بولس أضاف إليها قسما كبيرا مما يؤلف العهد الجديد في الكتاب المقدس وكان هو الداعية والقوة المؤثرة في نشر الدين المسيحي خلال القرن الأول الميلادي.
وهكذا ظهر العداء بين أتباع المسيحية التي أسسها بولس وأتباع المسيحية من اليهود أنفسهم، وانتصر المسيحيون أتباع بولس على غيرهم وسادوا العالم فترات من الزمان، إلا إن المسيحيين اليهود عادوا وسيطروا على المسيحية والمسيحيين بأفكارهم التوراتية التلمودية لصالح إنشاء الحكومة العالمية الدجالية.
كتب الدكتور "إلينت بيجلز" الذي ترأس قسم الدين في كلية بارنارد في جامعة كولومبيا: ثمة أشكال مختلفة من المسيحية التي ازدهرت في السنوات الأولى للحركة المسيحية، المئات من الأساتذة المتنافسين الذين كانوا جميعهم يزعمون بأنهم يعلمون عقيدة المسيح الصحيحة وشجبوا بعضهم البعض، المسيحيون في الكنائس انتشروا من آسيا إلى اليونان والقدس وروما المنشقة إلى زمر وأحزاب يتنازعون حول قيادة الكنيسة، جمعهم كان يزعم أنه يمثل العقيدة والتقاليد الصحيحة.
وعن موقف الكنيسة الرومانية من الصراع والتشاحن بين الكنائس المحلية يقول "إدى": وعاليًا فوق التشاحن في الكنائس المحلية جلست الكنيسة الرومانية غير مهتمة غير منزعجة وربما غير متفهمة، تركز على العمل التبشير في أوربا، وهو النشاط الذي قدم فوائد غير متوقعة، فإن محنة الوثنيين انقذت الكنيسة الرومانية في النهاية([4]).
الغنوسطيون والأيسيون وعالم الأسرار:
بداية فإن كلمة الغنوسطية مشتقة من الكلمة اليونانية "غنوسين" أي المعرفة، مؤسسها الأول هو أبو الهرطقة "سيمون الساحر" وكان معاصرًا للمسيح، وقدمت الغنوسيطية أفكار الفلاسفة القدماء أمثال سقراط الذي كان يؤمن بأن الروح البشرية توجد خارج الجسد المادي ولذلك فهي تملك طريقا إلى المعرفة الكونية.
وتؤمن الغنوسطية أيضا أن هناك كائنات غريبة تدعى "أيونز" عملت كرسل بين السماوات والأرض.
وقيل إن الغنوسطية نشأت في العراق ثم إيران ثم انتشرت في آسيا وأخذها اليهود البابليون ثم حملوها إلى فلسطين ومصر بعد الميلاد.
والغنوسطية كانت جزءًا متكاملاً من الأسرار القديمة، فالغنوسطيون يبحثون عن أسرار الله من خلال التصوف المقدس لأية عقيدة يقبلونها ويبحثون عن فهم الوجود من خلال تفسير ما يدركونه على أنه معنى أعمق ضمن المجموعة الرمزية للأدبيات الدينية، فهي طائفة وجودية دينية إلا أن مجلس أساقفة الكنائس الرومانية اتهمها بالهرطقة والكفر في عام 325م بعد أن انتشرت وأزدهرت وقتها.
وتقوم الغنوسطية على عقيدة الأسرار والرموز للأشياء مثل الماسونية الرمزية العامة، وأثرت العقيدة الغنوسطية بشكل عميق في عقول أتباعها من كافة الديانات من العصور الوسطى حتى أصبحت عاملاً أساسيا في المنظمات السرية التي ظهرت فيما بعد.
وكذلك لعبت الغنوسطية دورًا هامًّا في طائفة يهودية عرفت باسم الأيسيين. وأسس اليهود الأيسيون مجمعا خاصا بهم بعد اختلافهم مع نظرائهم اليهود الفرسيين والصدوقيين، وكانت ممتلكات الأيسيين مشاعا فيما بينهم، ولما أنضم إليهم المسيحيون جاءت العداوة فيما بينهم نتيجة أسلوب معيشتهم المشاعية.
وكان أعضاء المجتمع الأيسيين قد أسسوا ديرًا لهم عند قمران عند الشاطئ الشمالي للبحر الميت ودعوة بالمتاهة، وكانوا يعملون بالنهار ويتعهدون بالصلوات في الليل لإيمانهم بخلود الروح.
وكلمة "أيسيين" تعنى باليونانية سريا أو باطنيا فهي مشتقة من كلمة "أيسايوس"، وكان الأيسييون مرتبطين بتقاليد العلاج السري كفرع من مدرسة أسرار مصرية تدعى الأخوة البيضاء العظيمة للعلاج.
وقال نماردنر: ((لقد كان داخل هذه الأخوة البيضاء للمعالجين الحكماء ـ الروزيكرشيون الأصليون، حيث انضم المسيح فيما بعد ليتقدم عبر الدرجات ولقد كان مقامه العالي في هذا الشأن الذي أكسبه اللقب المستخدم كثيرا "سيد"([5])، وهذا ما ذهب إليه البعض من أن يسوع كان من الأيسيين إلا أن الأصوليين الجدد ينفون تلك الصلة لأن ربط يسوع بالغنوسطية والأيسيين يشوش عقيدتهم.
ويزعم البعض أن الأيسيين كانوا الحراس المستودعين للمعرفة السرية والملقنين والمثقفين للمسيح على أساس أنه تعلم في معبد "الملكيصادقين"، ولهذا يعد الأيسيون من أفضل الفئات اليهودية المثقفة والجد الأعلى للماسونية. .
وقد أخذ الماسونيون بعض رموز الأيسيين وضموها إلى رموزهم مثل المالج الذي هو أداة يطين بها وينفع بها النباتات الصغيرة.
اكتشاف سجلات البحر الميت عام 1947م:
ترجع أهمية اكتشاف مخطوطات البحر الميت إلى الكشف عن طائفة الأيسيين بعد اكتشاف مخطوطات خاصة بالجماعة الأم الغنوسطية في كهوف جبل قرب قرية مصرية في "نجع حمادي" حيث اكتشف بين عام 1947م و1960م أحد عشر كهفا فيها نحو 800 مخطوطة، منها170 مخطوطة من أعمال العهد القديم.
والسبب في إخفاء اليهود لهذه المخطوطات أنهم حين تم قمعهم عام 70م بواسطة الجيش الروماني بقيادة طيطس حين قاموا بثورة كبرى، وقام طيطس بهدم الهيكل الذي بنوه للمرة الثانية وطردهم من أرض فلسطين، فر الأيسيون من "قمران" وهي عند البحر الميت وأخفوا نصوصهم المقدسة لديهم، وقد اكتشف هذا الكنز الأدبي بواسطة راعبين بدويين، قاما يبيع بعض تلك المخطوطات إلى تاجر أنتيكات.
واستطاع عالم الآثار اليهودي إيفال يادين الحصول على سبعة من تلك المخطوطات لحساب الجامعة التي يعمل بها وهي جامعة "فرهن بيته" والتي سرعان ما نشرتها.
واستطاع متحف روكفلر للآثار في فلسطين من الحصول على باقي المخطوطات من الحكومة الأردنية التي اشترطت أن لا يسمح لأي يهودي الوصول إلى النصوص اليهودية القديمة.. وهذه المخطوطات في حوزة الحكومة الإسرائيلية بعد حرب عام 1967م.
وقد أثارت مخطوطات البحر الميت النزاع وأظهرت الخلاف القديم في العقيدة اللاهوتية بين المسيحيين أتباع العقيدة اللاهوتية عن القديس بولس وأتباع الأصولية المسيحية الأوائل وهم ما يسمون اليوم بالإنجيليين اليهود، فقد وجدت تفسيرات العهد القديم في تلك المخطوطات مشابهة لتفسيرات جيمس يعقوب ومسيحي القديس.
في الماضي البعيد حين اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية وجعلها الدين الرسمي للإمبراطورية، وأصبح أعداء المسيحية من الرومان هم أنصار اليوم ودعاته، قام الإمبراطور بتسوية النزاعات داخل وخارج الكنيسة حول أمور العقيدة وشخصية المسيح عليه السلام.
وأراد قسطنطين أن يجعل المسيحية دينا عالميا موحدا كاثوليكيا أي كونيا، يكون هو على قمته ورئاسته، واستعاد قسطنطين منصبه الإلهي الخاص من خلال تقديم الإله الكلى الوجود للمسيحيين باعتباره كفيله الشخصي([6])، ثم قام بتبديل مفاهيم معينة من الطقوس المسيحية بتقاليد وثنية مألوفة لعبادة الشمس وتعاليم أخرى ذات أصول سورية وفارسية.
وتم تأسيس العقيدة النيقية عام 325م في مجلس "نيقيا" الشهير الذي اختير فيه شكل المسيحية الأورثوذوكسية بعد طرد "آرياس" منه وكذلك نفى جماعة الأريوسيين، وتم الاتفاق على أن الله ثالث ثلاثة بأقانيم متساوية ومتعايشة معا الأب، الابن وروح القدس.
وبعد عام واحد أمر الأمبراطور قسطنطين بمصادرة وتدمير أعمال المعارضين للمذهب الأرثوذوكسي الجديد وفتح قصر اللاتبرنا للأسقف روما، في عام 331م، وأمر بنسخ كتب للنصوص المسيحية التي فقد الكثير منها إبان الاضطهاد الروماني للمسيحية وتم وضع التعديلات والتبديلات الحاسمة مع العهد الجديد كي تتماشى مع العقيدة الجديدة([7]).
ومع ظهور مخطوطات البحر الميت ونشرها ظهرت النصوص القديمة وصدرت أناجيل جديدة بناء على الاكتشاف الجديد مثل إنجيل الحقيقة وإنجيل توماسا، وشهادة الحقيقة وإنجيل مريم وتفسير المعرفة([8]).
ولقد استنكر البعض وجود صلة بين طائفة الأريسيين والمسيح عليه السلام، فقالت الكتاتبة "نيستا ويبستر" إن الإيسيين لم يكونوا مسيحيين ولكن منظمة سرية مرتبطين بقسم وعهود مرعبة كي لا يكشفوا الأسرار المقدسة المحصورة عليهم([9]).
وأضافت : ماذا كانت تلك الأسرار عن تلك الخاصة بالعقائد اليهودية السرية التي تعرفها الآن بأنها الكابالاة؟، الحقيقة هي أن الأيسيين كانوا "قباليين" رغم أنهم كانوا بلا شك من النوع الفائق، وهم أول المنظمات السرية.
ويرى البعض الآخر أن عقيدة الأيسيين كانت أقرب إلى التعاليم الأصلية للمسيح عليه السلام، من المسيحية المزيفة التي صنعتها الإمبراطورية الرومانية([10]).
الكابالاة تعنى الناموس أو التعليم، وتحتوي على معان سرية شفاهية حسب اعتقاد اليهود للعهد القديم التوراة.
وهي مزيج بين العقائد العبرية القديمة والأسرار المصرية الفرعونية التي تأثر بها اليهود أيام وجودهم بمصر الفرعونية.
فالكابالاة هي عقيدة شفاهية تتعلق بالأسرار التي تلقاها موسى عليه السلام من ربه شفاهة ثم علمها لأخبار بني إسرائيل وذلك بزعمهم.
وزعم إيليفاس ليفي أن الكابالاة كانت تحتوي على معرفة حملها إبراهيم وارث أسرار انيوك أبي الناموس في إسرائيل خارج سومر.
فالكابالاة أيضًا عند البعض هي المعرفة السرية الخفية برموز داخل نصوص العهد القديم ونصوص أخرى واليهودية هي التفسير الحرفي لها.
وقد كشف النقاب عن تحالف الماسونية وجماعة فرسان الهيكل أيام الحروب الصليبية وإحضار هيكل المعرفة الكابالية من الأرض المقدسة، وقد اعترف المؤرخون الماسونيون بأن أول دليل على الأسرار اليهودية المسيحية التي جلبت إلى الماسونية جاءت اثناء ذلك الوقت وثم استخدام المعرفة الخفية ضمن الكابالاة عبر القرون من قبل المنظمات السرية كلها بما فيها الماسونية([11]).
وقد ذكر الفيلسوف الماسوني "هول" بأن مدارس الأسرار كانت قد أسست كمنظمات سرية لتمنع التدخل الخارجي، حيث سعى أعضاؤها إلى جسر الفراغ بين العوالم المادية والروحية.
وذلك ذلك الفيلسوف: ((إن مجموعاتنا الشمسية حين بدأت عملها جاءت أرواح كائنات عاقلة من منظومات أخرى إلينا وعلمتنا طرق الحكمة، بحيث أننا ربما قد حصلنا على ولادة المعرفة التي يعطيها الله لخلقه جميعهم، وكانت هي هذه العقول التي قيل إنها قد أسست مدارس الأسرار للحكمة القديمة؟ وتدريجيا حصل انفصال بين مدارس الأسرار ولقد فاق على ما يبدو حماس الكهنة لنشر معتقداتهم في كثير من الحالات ذكاءهم، وكانت النتيجة أن هذه العقول الغير معلمة وهي تكتسب ببطء مواقع السلطة والنفوذ قد صارت على الأقل غير قادرة على الحفاظ على تلك المؤسسة، وهكذا أضفت مدارس الأسرار في حين أن المنظمات المادية الهائلة تاهت في دوائر وهي تصير يوميا أكثر تورطًا بالشعائر والرموز التي فقدت القدرة على تفسيرها))([12]).
هل موسى (عليه السلام) كان مصريا أم يهوديًّا؟
زعم البعض أن موسى عليه السلام حصل على التقليد الشفهي للمعرفة من مدارس الأسرار المصرية ثم أعطاه إلى قادة اليهود ويعتقد كثير من الباحثين أنه قد تم تحريرها إلى العالم الغربي من خلال نصوص سرية ملغزة في التلمود والكابالاة اليهودية والعهد القديم مع عقائد شفهية تم تسليمها للمنظمات السرية.
وذهب سيجموند فرويد في كتابه "موسى والتوحيد" عام 1939م إلى أبعد من ذلك فقال إن موسى لم يكن يهوديا وإنما كان مصريا ذا منصب رفيع متصلاً بعهد الفرعون اخناتون، وكان أحد براهين فرويد على ذلك أن الكثير من الشرائع التي قدمها موسى لأتباعه اليهود كانت من مصدر مصري، وأن هناك تشابها بين الوصايا العشر وكتاب الموتى الفرعوني.
وتساءل فرويد قائلاً: ((لماذا يرغب أي يهودي في الحفاظ على أية عادات مصرية حالما يصير حرا من العبودية))؟!.
وكلام فرويد عن مصرية موسى وأنه ليس من بني إسرائيل قاله أكثر من كاتب ومفكر يهودي، فالكاهن "مانيثو" للفرعون بتوليمي الأول قبل حوالي 300 سنة قبل الميلاد من "تاريخ مصر" قال: إن موسى كان كاهنًا مصريا رفيع المستوى تم تعليمه الأسرار القديمة في المدينة المصرية السفلى "هيلوبوليس".
وبعد دراسة متأنية قدم غاردنر افتراضًا أذهل الجميع، فقرر أن موسى والفرعون المصري أخناتون ـ أمنوحتب الرابع ـ كما كان يعرف رسميًا كانا الشخص ذاته، أي أن موسى عليه السلام هو أخناتون!!.
لعل هذا الافتراض المذهل لغاردنر يرجع إلى غموض شخصية أخناتون الفرعون الذي غضبت منه السلطة الدينية بمصر المتمثلة في الكهنة حين ألغى عبادة آمون وقرر عبادة
آتون إله الشمس، وأن آتون مساو للفظة العبرية آدون، وربما كتبت بالعبرية آمينAmen والتي تعني ليكن، وهو مصطلح مازال يستعمل في الشعائر الدينية عند المسيحيين والمسلمين إلا أنه عند المسلمين يعني اللهم استجب فهو اسم فعل أمر أو طلب، ونضيف إلى ذلك أن أخناتون يتشابه مع موسى في طفولته، فقد تعرض أخناتون للقتل في صغره، ووضع في تابوت ، خشبي وألقى في النهر؟ وكان أخناتون الأمين الثاني للملكة "تي" "Tiye"، وأن "إمنبادات" تم تربيته من قبل اليهود المصريين وتلقى تعليمًا دينيًّا في هليوبوليس ثم تزوج أخته غير شقيقته نفرتيتي التي وضعته على العرش وأطلق عليه اسم أمنوحتب الرابع أي "أمون راضي" ثم أطلق على نفسه أخناتون أي الروح المجيدة لأتون.
وبعد القضاء على دعوة أخناتون تولى ابنه الملك الشاب توت عنخ أمون حكم مصر، ولهذا حدث الخلط عند البعض([13]).
7
الحلف مع داود الصغير وراء إنشاء الدولة العبرية الأخيرة.
إسرائيل مفتاح أمريكا إلى النجاة!!
أي مسيح ينتظرون ؟! المسيح العسكري أم مسيح الهدى؟ !.
الحلف مع داود الصغير وراء إنشاء الدولة العبرية الجديدة:
مع مطلع القرن العشرين زاد التعاطف الأمريكي الشعبي مع يهود الشتات لتكوين دولة لهم على أرض فلسطين، حتى إن جموع الشعب الأمريكي رحبوا بقيام دولة يهودية في صلاتهم وتوسلاتهم، كانوا ينظرون إلى اليهود على أنهم شعب كادح مضطهد محب للسلام، وأنهم مثل الشتات الأوربي الذي جاء ليسكن القارة الأمريكية الجديدة ويطرد سكانها الأصليين من الهنود الحمر المتخلفين حضاريا، فاليهود مثلهم، والشعب العربي الفلسطيني مثل الهنود الحمر والأرض الفلسطينية مثل أراضي القارة الأمريكية المكتشفة.
لقد مهدت كتابات المفكرين اليهود لهذا الفهم الخاطئ، حتى أن الشعب الأمريكي تعرف على اليهود من خلال ما كتبه اليهود عن أنفسهم، فقد كانت الصورة المثالية البراقة غنية مشبعة لشعب يحب الطعام الدسم والإعلانات والأفلام الخيالية، لقد صوروا اليهود الأوائل على أنهم أبطال تفانوا من أجل قيام إسرائيل الدولة التي تؤمن بالعدالة الاجتماعية بجميع مواطنيها العرب واليهود.
لقد انقلب العداء القديم لليهود في أمريكا إلى محبة وتصالح وتعاطف وحلف مقدس، وبالذات في الولايات الجنوبية التي نشأت فيها المسيحية الصهيونية من البروتستانت، فهم على قناعة بأنهم كبروتستانت انجلوساكسون بيض البشرة أفضل من السود والهنود والكاثوليك، والهندوس والمسلمين.
أدرك اليهود الأمريكان أهمية الجنوبيين الأمريكيين، فقد كان اليهود الليبراليين الأمريكيين يعيشون في المدن الشمالية الأمريكية ولهم روابط وثيقة مع العمال الأمريكيين، ولم يهتموا بالأصوليين الإنجيليين الجنوبيين، إلا أنهم حين أدركوا الحقيقة وأن أوراق اللعب كلها كانت في الجنوب توجهت أفكارهم أنظارهم إليهم، وبعد أن أصبح اليهودي مضطهدًا في أمريكا أصبح الحليف والصديق الوحيد لها.
ورغم أن الجنوب الأمريكي يمثل ثلث سكان الولايات المتحدة إلا أكثر قادة الجيش من الجنوبيين وأكثر القادة السياسيين منهم وأيضًا رؤساء الجمهورية حتى إن المرشح الديمقراطي للرئاسة "كيري"([14]) اختار نائبه من الجنوب ليكسب تعاطف أهل الجنوب معه ولعله يكسب الانتخابات فالرياح الطيبة المثمرة تأتي من الجنوب الأمريكي لصالح اليهود فقط ومن يدعمهم.
في خلال العام 1948م وحتى 1967م كانت هناك اجتماعات متسقة ودائمة بين القاده اليهود الأمريكان وقادة كل من مؤتمر الأساقفة الكاثوليك الأمريكي والذي يمثل 40 مليون مسيحي كاثوليكي والمجلس الوطني للكنائس والذي يمثل أيضا حوالي 40 مليون مسيحي، ثم كانت كنائس البروتستانت الليبرالية التي تمثل الكنائس المسيحية والأسقفية وكنائس الطريقة المتحدة "ميثودست" كانت الأولى التي شملت كتبها الدينية منذ الأربعينيات من القرن العشرين دراسات حول اللاسامية وهم الذين وافقوا بإيعاز من اليهود على فصل الكنيسة عن الدولة.
وسيطر اليهود الأمريكيون أو ما يسمى باللوبي اليهودي على وسائل الإعلام المرئية ونشأ التحالف مع الأصوليين الإنجيليين المتطرفين أمثال جيري فويويل وجيمس سواجارت، وروبرتسون بعد أن فشل تحالف الليبراليين المسيحيين الذين تخلوا عنهم وعلى رأسهم المجلس الوطني للكنائس. . ذكر الحاخام رابي مارك تانينبوم هذا التغيير قائلاً: ((منذ حرب 1967م شعرت المجموعة اليهودية أن البروتستانت تخلوا عنها، كما شعرت أنه تخلى عنها أيضا جماعات متحلقة حول المجلس الوطني للكنائس الذي وبسبب تعاطفه مع قضايا العالم الثالث أعطى الانطباع بأنه يدعم منظمة التحرير الفلسطينية، عند حدوث فراغ في دعم الرأي العام لإسرائيل يبادر الأصوليون والمسيحيون الإنجيليون إلى مثله))([15]).
وقد نفى أعضاء المجلس الوطني للكنائس هذه الاتهامات فقال د. تراس جونز: ((إن المجلس في سياساته ومواقفة الحقيقية بقى بقرار منه مواليًا لإسرائيل)).
وقال القس هافري والتس: ((إن عددًا من القادة البروتستانت تورطوا في معاناة الشعب الفلسطيني المشردين وشمولهم في نداءاتهم حول العالم للحصول على الدعم.
وقال د. فرانك ماريا عضو مجلس إدارة الوطن للكنائس عن تلك الاتهامات ((قبل حرب 1967م كان الحاخام تونيتنهام يفاخر بأن المجلس كان لا يذيع أي بيان من دون موافقته، إنني لا أريد أن أقول إن هيئة المجلس كانت مجرد أداة ختم بيد إسرائيل، وكأنها كانت تتجاوب مع ضغوط ومع حماقات اليهودية الأمريكية كما كانت أقل اكتراثًا مع استغاثات المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط)).
وأضاف: (( إن المجلس لم يتخل عن الحاخام تونينهام وعن غيره من مؤيدي إسرائيل، غير أن إسرائيل ومؤيديها في هذه البلاد قرروا أن باستطاعتهم الحصول على مساعدة أخرى من الإنجيليين الأصوليين معتقدين أنها ستكون ذات قيمة أكثر))([16]).
وهكذا وضحت الحقيقة من تحول اللوبي اليهودي إلى الإنجيليين الأصوليين وأغنيائهم أكثر فائدة من د. ترس جونز وغيره من قادة المجلس الوطني للكنائس، فإنهم يدورون مع الأقوى تأثيرًا والأكثر نفعًا لهم.
وأضاف د. ماريا مفسرًا هذ التحول اليهودي نحو الإنجيليين الجدد: (( كل شيء تغير بعد حرب 1967م، أصبح الأمريكيون ينظرون بصورة عامة إلى إسرائيل نظرة مختلفة، حتى عام 1967م كانوا يرون في إسرائيل "داود الصغير" تستهدفه قوى عربية متفوقة عليه، وفجأة هاجم الإسرائيليون جيرانهم، ضربوا الطيران المصري على حين غرة ودمروه على الأرض بهجوم مماثل لهجوم بيرل هاربور، ودخل الإسرائيليون إلى سيناء، وسيطروا على الضفة الغربية والقدس العربية، وكل قطاع غزة ومرتفعات الجولان)).
وأضاف د. ماريا: ((كنت أشاهد على التلفزيون كل يوم من أيام حرب 1967 الإسرائيليين يقتلون المصريين وكأنهم نمل، وشاهدت إسرائيليين في مرتفعات الجولان يقتلون سوريين يشبهون أمي وأبي([17])، وشاهدت جنودًا إسرائيليين يحملون الحراب وهم يدفعون بالنساء الفلسطينيات والأطفال عبر "جسر اللمبى" إلى الأردن، لقد رأيت في هؤلاء النسوة أمي وشقيقتي، ومع ذلك كنت أعرف أنه في الوقت الذي كان العرب يضطهدون ويقتلون على أيدي الإسرائيليين كان الكثير من الأمريكيين من المسيحيين واليهود يتفرجون على التلفزيون مصفقين!!.
وقد دعا "د. ماريا" في عام 1967 بعد حرب الأيام الستة قادة مسيحيين أمريكيين آخرين إلى مؤتمر عقده في بوسطن، ووجهوا نداء إلى الرئيس جونسون ليأمر إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلها في يونيو 1967م، وبالطبع لم يستجب جونسون لمثل هذه النداءات وقد علق ماريا على ذلك بقوله: إن الانسحاب لم يحدث ولكننا على الأقل استطعنا أن نجعل بعض الأمريكيين يدرك أن هناك ظلمًا تؤيده حكومتنا!!.
وحين طلب أحد القادة الإسرائيليين من الرئيس جونسون الاعتراف بما أخذته إسرائيل في حرب 1967 واعتبارها جزءا من إسرائيل قال له: ((إنك تسألني الاعتراف بحدودك، إنك لم تحدد حدود إسرائيل أبدًا))([18]).
ولقد واجهت إسرائيل بعد حرب 1967م خيارين أولهما العيش في سلام مع جيرانها بعد انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967م، والثاني أن تواصل اعتمادها على القوة العسكرية، وقد اختار الإسرائيليون الخيار العسكري وواصلوا التضخم العسكري.
ففي عام 1967م دعا المجلس اللوبي للكنائس إلى إنهاء الاحتلال الأسرائيلي للأراضي العربية وافتتح المجلس مكاتب له في واشنطن وتحدث أعضاؤه مع أعضاء مجلس الشيوخ وممثلين من قضايا الشرق الأوسط، وأدلوا بشهادتهم أمام لجان الكونجرس حول ظروف الفلسطينيين في غزة والضفة وأرسل المجلس وفدًا إلى الضفة الغربية لدراسة اتهامات الكنيسة الأسقفية بشأن انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان هناك وأصدر المجلس بيانا عام 1980م انتقد فيه سياسات الاحتلال الإسرائيلي وأيد إقامة دولة فلسطين منفصلة في غزة والضفة الغربية.
ومع هذا التغير الطفيف في الجانب القديم المؤيد لإسرائيل لم يستغل العرب هذه المواقف لصالحهم وكعاداتهم دومًا لا يقرأون ولا يسمعون وينتظرون من يأتيهم بحلول وهم جالسون. . وكان من الواجب علينا أن ننمى هذا الاهتمام من قلة قليلة لأكثرية مسيحية ليبرالية أمريكية ظهرت بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية عام 1967م، ونتيجة عدم اهتمامنا ظل الغالبية الليبرالية المسيحية في أمريكا مؤيدة للكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين.
ولقد أدرك القادة الإسرائيليين أنهم خسروا دعم المجلس الوطني للكنائس واعترفوا بذلك إلا أن خسارتهم تلك لم تكن فادحة لأنهم كانوا على ثقة من أن الصف الأمامي من قادة الكنيسة لن يحتجوا بشدة على احتلالهم للأراضي العربية، وأنهم يشعرون باطمئنان إلى أنه رغم أن بعض الأفراد الليبراليين من قادة البروتستانت والكاثوليك استهجنوا معاناة الفلسطينيين وذكروا ذلك في مناسبات نادرة، فإن القضية بالنسبة لهم لم تكن أكثر أهمية من قضايا أخرى مثل التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وسباق التسلح وانتهاك حقوق الإنسان في أمريكا الوسطى.
أضف إلى ذلك أن قادة المجلس الوطني للكنائس وقادة كنائس أخرى ليبرالية أخرى يحتفظون بأوثق روابط الصداقة مع مؤيدي إسرائيل من اليهود في معظم المدن الأمريكية، ويلتقى قساوسة مسيحيون وكهنة يهود بصفة مستمرة لتطوير التفاهم بين المسيحيين واليهود في أمريكا ويتجاهلون أي التزام بالمسيحيين والمسلمين العرب في الأراضي التي يحتلها اليهود.
ورغم ذلك فإن اليهود الصهاينة فضلوا دعم التحالف مع المحافظين الإنجيليين الأصوليين الجدد لكسب دعم آخر أشد حرارة من دعم الليبراليين القدماء، إضافة إلى أن المجلس الوطني للكنائس يمثل 40 مليون مسيحي والكنائس الأصولية تمثل عددًا آخر مماثلاً.
وهكذا بعد عام 1967م ارتمت إسرائيل في أحضان اليمين الأمريكي المتشدد حتى دعا "جيري فولويل" اليهود الليبراليين تأييده لأنه يؤيد إسرائيل، لأن فولويل وجد عدم توافق آرائه حول امتلاك إسرائيل للمزيد من القنابل النووية مع رغبات اليهود الأمريكان.
ففي كتابه: "اللاسامية الحقيقية في أمريكا" يقول بير لمتر: إن اليهود يستطيعون أن يتعايشوا مع كل الأولويات المحلية لليمين المسيحي التي يختلف معهم حولها اليهود الليبراليون لأنه ليس بين هذه الشئون ما هو في أهمية إسرائيل.
وأضاف : إن الأصوليين الإنجيليين يفسرون نصوص الكتاب المقدس بالقول ((إن على جميع اليهود أن يؤمنوا بالمسيح أو أن يقتلوا في معركة هرمجدون، وأضاف نحن نحتاج إلى كل الأصدقاء لدعم إسرائيل، فإذا جاء المسيح فسوف تفكر بخياراتنا في ذلك اليوم، أما في الوقت الحاضر دعونا نصلى للرب ونرسل الذخيرة([19]).
هكذا أصبح الموقف السياسي والديني الأمريكي من إسرائيل كما يقول المثل "أكرهك ولكني أحبك".
وفي صحيفة "كومنتري" كتب "كريستول"([20]) في يوليو 1984: الليبرالية هي في موقع دفاعي، وعلى اليهود أن يبتعدوا عنها، إننا مكرهون على اختبار حلفائنا حيث نجدهم وكيفما نجدهم.
ويعتقد كريستول أن أمام اليهود الأمريكيين اولوية مطلقة هي إسرائيل، وما أن فولويل والأكثرية المعنوية تدعم إسرائيل فإن على اليهود الأمريكيين بالمقابل أن يؤيدوا تأييدًا ساحقاً المحافظين الجدد.
ويطرح كريستول سؤالاً على اليهود: كيف يكون الأمر لو كانت الأكثرية المعنوية ضد إسرائيل!.
وأجاب بأن الجواب سهل ولا يمكن التهرب منه وهو: إن الفارق سيكون كبيراً جدًا وسيكون الأمر بالنسبة لليهود مرعبًا حقا.
ويؤيد "إليك رسيشنيك" وهو رئيس المنظمة الصهيونية في أمريكا التحالف اليهودي مع المحافظين، ولقد قال في "مؤتمر رؤساء القيادات" الذي عقد في لندن يونيو 1984م. نحن نرحب ونوافق ونحيي مثل هذا الدعم المسيحي لإسرائيل دون أن نورط أنفسنا في قضاياهم المحلية.
ومن بين قادة اليهود الأمريكيين الذين يؤيدون إقامة حلف مع اليمين المسيحي الجديد الحاخام "سيمور" والحاخام "جوشوا هابرمن" من الإصلاحيين.
والحاخام "يعقوب برونر" والدكتور هارون جاكوبي رئيس المجلس الوطني للشبيبة الإسرائيلية "ارثوذكس" والحاخام "دافيد بانتيس" من منظمة "بنى بريث".
وهكذا تطورت إسرائيل من دولة استعمارية عادية إلى دولة عسكرية كبرى تملك حوالي 20 سلاحًا نوويا، ويقول المحافظون الإنجيليون الجدد إنهم يتمنون لو أن إسرائيل تملك أكثر من ذلك.
وقد حذر بعض العقلاء من سيطرة اليهود الصهاينة على القرار الأمريكي، فقد حذرت روبرتا ستراوس يهودية من بروكلين من أن اليهود الأمريكيين يتجهون نحو عبادة إله صهيوني مزيف.
وتقول الكاتبة الأمريكية جريس هالس في كتابها "النبوءة والسياسة": تلخص أهداف إسرائيل الثلاثة في الولايات المتحدة على النحو التالي:
1 ـ إن إسرائيل تريد المال.
2 ـ إن إسرائيل تريد الكونجرس أن يكون مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية.
3 ـ إن إسرائيل تريد السيطرة كاملة ومنفردة على القدس.
واليمين المسيحي الجديد يساعد إسرائيل على تحقيق هذه الأهداف الثلاثة.
إسرائيل مفتاح أمريكا إلى النجاة:
إنه عنوان فيلم تلفزيوني أعده القس "مايك إيفنز" صديق جورج بوش الأب والذي يحتل مكانة بارزا في الحرب الجمهوري والذي يتحرك لتأييد مرشحي اليمين الأمريكي الجديد المؤيد بقوة لإسرائيل، أمثال ريجان وبوش.
يقول الراهب ويكرسون: ((إن مايك إيفنز يهودي تنصر من أجل مساعدة شعبه ولكن هذا لا يعني أنه يذهب إلى إسرائيل ويحاول تنصير اليهود، لا شيء من ذلك على الإطلاق، يريد أن يظهر لإسرائيل ولليهود أننا نحبهم وأننا نقف إلى جانبهم ويريد أن يعرب لهم من خلال وجودنا ومن خلال هدايانا عن حبنا الكبير، لم يعان أحد في العالم كما عانى اليهود، والله يقول لنا: إنه يبارك أولئك الذين يباركون اليهود))([21]).
ويردد إيفنز دومًا قوله : ((إن الله يريد من الأمريكيين نقل سفارتهم منم تل أبيب إلى القدس، لأن القدس هي عاصمة داود، ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود من أن يكون لهم حق اختيار عاصمتهم، إذا لم تعترفوا بالقدس ملكية يهودية، فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا، إن الله سيبارك الذين يباركون إسرائيل وسيلعن لاعنيها)).
وأما الفيلم الذي أعده إيفنز يقدم التأكيدات السياسة حول أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة ويقول : ((إذا تخلت إسرائيل عن المناطق التي تحتلها بصورة غير شرعية فإن الله سيدمر كلا من إسرائيل والولايات المتحدة)).
ويختتم "إيفنز" الفيلم بنداء إلى المسيحيين لدعم أفضل صديق لأمريكا في ذلك الجزء من العالم)).
خلال التوقيع على "إعلان مباركة إسرائيل" وبين العامين 1984م و1985م يعرض الفيلم على 250 محطة تلفزيونية، وأعيد النظر فيه باعتماد ممثلين محترفين خلال صيف 1985م.
وفي يناير 1985م دعا ريجان جيمس بيكر وجيمس سواجارت وفولويل وإيفنز للقائه بصورة شخصية وأعرب لهم عن إيمانه بأن أمريكا على عتبة يقظة روحية وقال: ((إنني مؤمن بذلك من كل قلبي، وإن الله يرى أناسًا مثلي ومثلكم في صلاة وحب نبتهل إليه فيها إعداد العالم لعودة ملك الملوك وسيد الأسياد([22]).
وملك الملوك وسيد الأسياد الذي يقصده ريجان ليس إلا ملك اليهود المنتظر ومسيحهم الدجال الذي ينتظرونه.
ويقول إيفنز إن اليهود الإسرائيليين أخبروه عن خططهم بغزو لبنان قبل يومين من حدوثه ويقول: ((لقد صليت مع رئيس الوزراء بيجين لمدة 24 ساعة مباشرة بعد غزو لبنان في عام 1982م)).
هكذا وصل الحلف الإسرائيلي المسيحي الأمريكي إلى مرحلة خطرة تنذر بكارثة نووية، إذا ما علمنا مقدرة إسرائيل النووية وما كشف عنه تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية كشف في عام 1986م جاء فيه: ((إن تل أبيب قادرة على إنتاج أجهزة نووية من دون ضجة، وإن إسرائيل تملك ما بين 20.12 قنبلة نووية))!!.
وأصبحت الولايات المتحدة متورطة بتزويد إسرائيل بالاسلحة الحربية والنووية أيضا، حتى إن إسرائيل تهدد الولايات المتحدة بها وهذا ما أوضحه الدكتور لومسكى: ((إن سلاح إسرائيل السري ضد الولايات المتحدة بصورة خاصة وضد العرب بصورة عامة هو أنها يمكن أن تتصف كدولة متوحشة خطيرة على جيرانها غير طبيعية قادرة على إحراق حقول النفط أو حتى البدء بحرب نووية))([23]).
وفي كتابه "المثلث القدرى: الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيون" يقول مؤلفة البروفسور اليهودي الأمريكي/ نعوم كومسكى: ((التهديد كان موجهًا إلى الولايات المتحدة([24])، الإشارات الإسرائيلية ستجعل الامر واضحًا أمام صانعي القرار في البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية، من أن أي مزيد من التأخير سيؤدي إلى كارثة في الشرق الأوسط.. ويمكن الظن أيضًا أن الصواريخ الإسرائيلية ذات الرؤوس النووية والتي يمكن أن تصل إلى جنوب روسيا ليس الهدف منها ردع الاتحاد السوفياتي وإنما تنبيه المخططين الأمريكيين مرة أخرى إلى الضغوط على إسرائيل للرضوخ إلى تسوية سياسية يمكن أن تؤدي إلى رد فعل عنيف، على إمكانية حرب نووية عالمية.
هكذا وضعت إسرائيل أمريكا تحت أنيابها النووية!!.
ولعل سؤالاً هامًّا يتبادر إلى الذهن ويلح عليه، والسؤال موجه إلى هؤلاء المبشرين الأمريكيين ورجال الدين المسيحي هناك، هل المسيح عليه السلام جاء لتحقيق مملكة دنيوية عسكرية على الأرض ونهج نهجًا عسكريًّا أو هكذا دعا أو هكذا سيكون حين ينزل للمرة الثانية وأنه من أجل ذلك يأمر بإبادة الشعوب أم أنه جاء برسالة السلام ودعا إليها وإلى عبادة الله الواحد الأحد، وأنه حين ينزل مرة أخرى آخر الزمان يأتي لهذا الهدف؟!.
بالطبع فالمسيح عليه السلام ليس كما يظن هؤلاء من أنه رجل عسكري يدعو إلى مجد دنيوي وملك أرضي قائم على أشلاء الموتى وتدمير الحياة من أجل حفنة يهود.
وأما المسيح الذي يدعو إليه اليهود وأنصارهم وأعوانهم من المبشرين الأمريكيين إنما هو المسيخ الدجال الذي يدعى أنه المسيح الحقيقي والذي ينكره البعض من أبناء ملتنا ويتفاخرون بذلك ويقولون باستحالة خروج المسيح الدجال ونزول المسيح ابن مريم عليه السلام، ذلك ظنهم الذي أرادهم وأهلكهم كما سيهلك اليهود الصهاينة إن شاء الله تعالى([25]).
([1]) توجد طائفة في العراق حتى الآن تؤمن بأن يوحنا المعمدان "نبي الله يحيى بن زكريا" هو المخلص والمسيح ويتبعون تعاليمه ولهم طقوس خاصة بهم ومعترف بها كديانة في العراق مثلهم مثل الكثير من أصحاب الديانات الكثيرة هناك.
([2]) هم أتباع رئيس كهنة سليمان زادوك.
([3]) المائة الأوائل ، د. مايكل هارت.
([4]) الحكم بشكل سري.
([5]) الحكم بشكل سري.
([6]) كان الرومان يعبدون الأباطرة باعتبارهم آلهة انحدرت من آخرين مثل نيتون وجوبيتر وقد استعاد قسطنطين منصبه الإلهي الخاص به عام 314م في مجلس أرلز.
([7]) الحكم بشكل سري ـ لجيم مارس.
([8]) هذه المخطوطات استفاد منها الباحثون كثيرا ولكن ما حوته من معلومات عن الكتاب المقدس لم يصل إلى عامة الناس!!.
([9]) المصدر السابق.
([10]) المصدر السابق .
([11]) هذا ما ذكره المؤرخ الماسوني ويليام شورست انظر المصدر السابق.
([12]) المصدر السابق، وتلك مغالطات فلسفية اعتاد عليها الماسون في حديثهم عن الأسرار وما شابهها من معتقدات أخرى لديهم.
([13]) المصدر السابق. وبحسب رأى غاردنر فإن ابن اخناتون من زوجته "كيا" أصبح فيما بعد الفرعون الشاب توت عنخ آمون الشهير الذي أجبر على تغير اسمه من توت عنخ أتون إلى توت عنخ آمون ليشير إلى العودة لعبادة آمون بدلاً من آتون، وأضاف "غاردنر" إلى أن أخناتون فر هاربا مع أقاربه الذين معظمهم من اليهود من مصر.
([14]) "جون كيري" كان مرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي عام 2004م أمام جورج بوش الابن وقد فاز بوش الابن بولاية ثانية في تلك الانتخابات بأصوات الناخبين العرب!!.
([15]) انظر النبوءة والسياسة.
([16]) المصدر السابق.
([17]) دكتور ماريا والده والدته في سوريا، انظر المصدر السابق.
([18]) المصدر السابق.
([19]) المصدر السابق.
([20]) كريستول هو أستاذ جامعي للفكر الاجتماعي في كلية إدارة الأعمال جامعة نيويورك ويرى أن الأكثرية المعنوية في أمريكا مؤيدة لإسرائيل.
([21]) النبوءة والسياسة.
([22]) المصدر السابق.
([23]) المصدر السابق.
([24]) التهديد صدر إبان الحرب عام 1973 بعد هزيمة إسرائيل أمام المصريين والسوريين وأمر نيكسون وكيسنجر وقتها بالاستنفار النووي من الدرجة الثالثة في كل أنحاء العالم بعد أن هددت إسرائيل باستعمال الأسلحة النووية.
([25]) أنظر كتابنا نهاية العالم وأشراط الساعة ـ الناشر دار الكتاب العربي، وأيضا كتابنا عشرة ينتظرها العالم، ففيهما المزيد والمفيد عن هذا الموضوع العام.
تعليقات