ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس
=========================================================
قال تعالى :
{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون }،سورة الروم 41
قال ابن القيم رحمه الله فى كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد: : >>(ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص، ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين، والقحوط، والجندوب، وسلب بركات الأرض، وثمراها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها، أمورا متتابعة يتلوا بعضها بعضا،
قال تعالى: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس }، ونزل هذه الآية على أحوال العالم وطابق بين الواقع وبينها وأنت ترى كيف تحدث من تلك الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان؟ وكيف يحدث من تلك الآفات آفات آخر متلازمة بعضها آخذ برقاب بعض؟، وكلما أحدث الناس ظلما وفجورا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل، في أغذيتهم، وفواكههم، وأهويتهم، ومياههم، وأبدانهم، وخلقهم، وصورهم، وأشكالهم، وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم، وظلمهم، وفجورهم، ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم كما كانت البركة فيها أعظم، ولقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية سرة حنطة أمثال نواة التمر حبة الحنطة الواحدة مكتوب عليها ( هذا كان ينبت أيام العدل ) يعني: أيام عمر بن عبد العزيز.
وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت بقية منها مرصده لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، فبقيت من عذاب اللوطية لمن بقي على أعمالهم، وهكذا،، حكما قسطاً وقضاءاً عدلاً، وقد أشار النبي إلى هذا بقوله في الطاعون: " إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل "، وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية مثل هذه الأعاصير بقية من تلك الأيام وفي نظيرها عظة وعبرة.
وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء، والقحط والجدب، ..وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يسيّر بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وبالله التوفيق ). انتهى كلامه رحمه الله .
وهكذا جاءت الأمراض الجديدة والأمراض القديمة مما لم يكتشف له البشر علاجا كالإيدز وغير ذلك،، أنتشر السارس وأنتشر جنون البقر ثم أنفلونزا الطيور ثم الخنازير .
والإعلام يلعب دوراً عظيماً في إرعاب الناس، وتخويفهم،
{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس }.
هذه الفيروسات الدقيقة جداً وهي من جنود الله عزوجل فنحن نعلم أن هذا الفيروس لا يصيب بنفسه وإنما بقدر الله، وأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى" ، معناه: أن المرض لا يعدي بنفسه والفيروسات لا تعدي بنفسها إلا بقدر الله، فقدر الله إذا أمر، قدر الله إذا نزل، قدر الله إذا شاء سبحانه وتعالى حصل، فإذا لم يشأ لم يحصل وإذا لم يرد لم يقع شيء، ولكنها أولئك يعرضونها كأن هذه الفيروسات هي المسيطرة تفعل كما تشاء على ما تشاء بمن تشاء.
كائنات دقيقة عجيبة تعجز البشر أليس في ذلك إرغاما لأنوف هؤلاء المغرورين علميا؟
الذين ظنوا أنه لم يبقى في الدنيا شيء إلا وقد اكتشفوه، أو اخترعوه، أو توصلوا إلى حل له، ولا يزال الله تعالى يظهر لهم من أنواع هذه العجائب في خلقه، وقدرته، ما يحير عقولهم ويذهب بألبابهم، ويطير قلوبهم
، ويقول: { هذا خلقي فأروني ماذا خلقتم }،
فيروس بنحو خمسة عشرة نوعاً، نوع واحد منه القاتل المرعب، عجب يغير تركيبه باستمرار، عجب يخترق جدار الخلية البشرية ويقوم بصنع نسخة من موريثاتها، وهذا يعني: أن الخلية لن تتعرف عليه باعتباره خطراً أو اختراقاً أجنبياً لها بل تظنه غذاءاً لها فتسمح له بالدخول والتكاثر فيها، يغير في شكله بما يتناسب مع خلايا الإنسان،
، جنود الله يسلطها على من يشاء سبحانه وتعالى لم يكتشفوا له علاجاً إلى الآن غير إهلاك الطيور والحيوانات المصابة به وإتلافها، ويقولون: أمصال وأمصال، ولا يزالون يبحثون كيف ينتقل؟ وهل ينتقل بين البشر أنفسهم؟
وقد نشرت منظمة الصحة العالمية على موقعها الرسمي حالات التحول الوبائي التي تحدث في الخنزير، وهنالك تكتمات كثيرة على علاقة هذا المرض به كما تكتموا على علاقة جنون البقر بجنون الخنزير، وحالات أنفلونزا الخنزير في الصين قد ظهرت معروفة ثم منعت بعض بلاد المجاورة استيراد الخنازير منهم، وإن أرباح الشركات العالمية من الخنازير، وحال أولئك الأمم الذين يأكلون منها يجعل من هؤلاء متكتمين على العلاقات بين هذا وهذا، أنفلونزا الخنزير التي ظهرت من قبل وأنفلونزا الطيور خصوصاً وأن الأطباء والباحثين قد أثبتوا بأن الخنزير له علاقة بنحو من أربعمائة وخمسين وباءاً ومرضاً من فيروسي، وبكتيري، وديداني، وأن هذا الخنزير قد ظهر منه كثير من الأوبة العابرة للحاجز البشري الحيواني، أي: التي تنتقل من هذه البهائم إلى الناس وما يسمى " بالثقب البيلوجي " الحاجز الحامي للإنسان من أوبة الحيوان، فظهر جنون الخنازير ثم جنون البقر، وأنفلونزا الخنزير، ثم أنفلونزا الطيور.
عباد الله، { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } وحكمه في الشريعة القتل والإتلاف، وعندما ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام يقتل الخنزير فهذا يقتل في جميع أنحاء الأرض، وكذلك فإن هذه الأوبة التي تخرج وتنتشر اليوم هي في مستجدات البشر في الحقيقة مما كسبت أيدهم، أيضاً من إطعام هذه البهائم والدواب والطيور الطعام المحرم شرعاً، فإنهم يطعمونها الميتة، ويطعمونها القاذورات، والنجاسات، وقد دلت الأدلة الشرعية على تحريم الجلالة وهذا له علاقة بالموضوع أيضاً، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي على أكل الجلالة، فيما رواه الترميذي وصححه وأبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة.
وجاء عن أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وعن شرب ألبانها وأكلها، فهذه الجلالة هي التي تتغذى على النجاسات والقاذورات ومن هذه النجاسات أشلاء ولحوم وعظام ودماء الحيوانات الميتة ومن ضمنها الخنزير التي تكون في علف الدواب التي تنتجها مصانع الأعلاف العالمية لكي تقدم غذاء لهذه الطيور من دجاج وغيره، فيتغذى عليها فتنشأ فيها مثل هذه الأمراض.
إذن أثبتت الأبحاث هذه العلاقات فتبين بأن الشرع الحنيف لما حرم الميتة والخنزير والدم وبعضها أعلاف لهذه الدواجن، وبعضها مستودعات أمراض.
الخنزير مستودع أمراض عالمي ضخم عرف بعد ذلك، كيف كانت عناية الشرع بالإنسان صحياً؟ وأن الله لما حرم علينا الأشياء حرمها لمصلحتنا ومنفعتنا ووقاية لنا.
هذا المرض أنفلونزا الطيور الذي يقولونه في حالاته تشابه مع الأنفلونزا العادية من ارتفاع درجة الحرارة، والخمول، والآلام، والالتهاب التنفسي المفضي للهلاك، هذا الذي جاءت الأخبار العالمية به، إنما هو مثال واحد لقوله تعالى: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس }، ثم يتبع ذلك خسائر اقتصادية عالمية فإن إتلاف هذه الطيور كلفهم ملايين الملايين، ثم بعد ذلك تتوقف حركة الاقتصادية وتتباطأ ويمنعوا انتقال العمال وكذلك،، تتسبب القضية عن إجراءات احترازية كثيرة مكلفة، وبدأ المستثمرون في مراجعة حساباتهم، ويتوقع أن يكلف هذا المرض في حال انتشاره دول شرق آسيا مئات المليارات من الدولارات، فكيف سيكون على المستوى العالمي؟
حسبوها في حدود مائة مليار لهذه الدول في آسيا، وثلاثمائة مليار على مستوى العالم، بالإضافة إلى حالات الهلع، والخوف، والرعب، التي تصيب الناس، ومزارع دواجن تتلف بأكملها، وكذلك فإن الإنسان المسلم يعلم بأن ظهور مثل هذه الأمراض أيضاً هو انطباق عملي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر فيه أن الناس إذا ابتلوا بإظهار المعصية من الفواحش عقبوا بمثل هذه الأمراض،
قال عليه الصلاة والسلام: " خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها "،رواه ابن ماجه فى سننه وصححه الالبانى.
وقد جرى إعلان الفاحشة في أندية هؤلاء الزناة والزواني، والعراة، والشواطئ، والشوارع، والحدائق العامة، والمجلات، والجرائد الجنسية، والقنوات العارية، قنوات الفاحشة، ومواقع إنترنت العالمية في الشبكة، فأعلن بها إعلان حقيقياً وعلى مسارحهم في الأماكن المختلفة، " لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا"
، وبطبيعة الحال لن يعجب البعض من العلمانيين واشباههم وسيقولون: لا علاقة للمرض بمعاصي ولا ذنوب ولا شيء، وهذه أمراض يمكن تكون معروفة في البشرية من قديم فنقول لهم هذه تجارب أسيادكم من الكفار قد أثبتت بأن الأمراض جديدة، وأن البشرية لم تكن قد عرفتها من قبل وأول حالة ظهور عالمية في بلد كذا، وبلد كذا، في تاريخ كذا، وكذا، في هذا العصر المتأخر،
ثم يا أيها الرافضون لإثبات العلاقة بين الذنوب والأمراض: قد أثبتت تقارير أسيادكم الكفرة في الشرق والغرب ومراجعكم من اليهود والنصارى بأن اللواط والزنا سبب الأمراض الفلانية والفلانية، فلماذا تنكرون ما أثبته أسيادكم وتريدون أن تقولوا للناس ناموا في العسل واطمأنوا في الفواحش؟، فإن المسألة لا علاقة لها بالذنوب والمعاصي، وهذا من أعظم الفوارق بين المسلم وهذا المنافق والكافر بل الطبائع الملحد الذي يرفض إثبات العلاقة بين الذنوب والأمراض، وفي كلام ابن القيم المتقدم العظيم عبرة كبيرة.
بل ان هذا الامر كله من علامات الساعة الصغرى التى اخبر بها النبى صلى الله عليه وسلم .
جرت سنة الله عز وجل في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم فإذا اتقى الناس ربهم عز وجل خالقهم ورازقهم، أنزل الله عز وجل عليهم البركات من السماء، وأخرج لهم الخيرات من الأرض، قال تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [الأعراف:9].
وقال تعالى: وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً [الجن:16]، وإذا تمرد العباد على شرع الله، وفسقوا عن أمره أتاهم العذاب والنكال من الكبير المتعال، فمهما كان العباد مطيعين لله عز وجل، معظمين لشرعه، أغدق الله عز وجل عليهم النعم، وأزاح عنهم النقم، فإذا تبدل حال العباد من الطاعة إلى المعصية، ومن الشكر إلى الكفر، حلت بهم النقم، وزالت عنهم النعم.
قال تعالى: وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون [النحل:112].
فكل ما يحصل للعباد من إحن ومحن فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوعن كثير [الشورى:30].
وقال تعالى: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون [الروم:36].
فالله عز وجل لا يبدل حال العباد من النقمة إلى النعمة، ومن الرخاء إلى الضنك والشقاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى الفسق قال تعالى: ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [الأنفال:53].
فما هي الأسباب التي يتنزل بها عذاب الله، وما هي سنة الله عز وجل في القوم المجرمين، وبتعبير آخر ما هي أسباب هلاك الأمم.
فأول هذه الأسباب الكفر بالملك الوهاب، وتكذيب الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فقد أهلك الله عز وجل الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقرونا بين ذلك كثيرا بسبب كفرهم بالله عز وجل، وتكذبيهم لرسله.
قال تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميراً وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً وعادا وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً وكلاًّ ضربنا له الأمثال وكلاً تبرنا تتبيراً ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشوراً [الفرقان:35-40].
وقال تعالى: كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل [ق:12-14].
ومن أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد وكثرة الخبث.
قال تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القوم فدمرناها تدميراً [الإسراء:16].
قال الشنقيطي رحمه الله: الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله: أمرنا هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره، والمعنى: أمرنا مترفيها بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله واتباعهم فيما جاءوا به: ففسقوا أي خرجوا عن طاعة أمر ربهم وعصوه، وكذبوا رسله: فحق عليها القول أي وجب عليها الوعيد: فدمرناها تدميراً أي أهلكناها إهلاكا مستأصلا، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم.
ثم قال رحمه الله: فإن قال قائل: إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله: أمرنا مترفيها ففسقوا فيها مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع المترفين وغيرهم في قوله: فحق عليها القول فدمرناها تدميراً يعني القرية، ولم يستثن منها غير المترفين.
والجواب من وجهين:
الأول: أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم، لأن غيرهم تبع لهم كما قال تعالى: وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [الأحزاب:67]. وقال تعالى: وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء [إبراهيم:21]. إلى غير ذلك من الآيات.
الثاني: أن بعضهم إن عصى الله وبغى وطغى، ولم ينههم الآخرون فإن الهلاك يعم الجميع كما قال تعالى: واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [الأنفال:25].
وكما في الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها لما سمعت النبي يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت له: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث))([1]).
ومن أسباب هلاك الأمم الكفر بنعم الله عز وجل وعدم القيام بواجب شكرها.
قال تعالى: لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور [سبأ:15-19].
وقال تعالى: وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون [النحل:112].
ومن أسباب هلاك الأمم ظهور النقص والتطفيف في الكيل والميزان ومنع حق الله وحق عباده ونقض العهود والمواثيق، والإعراض عن أحكام الله تعالى.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن –: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم))([2]).
ومن أسباب هلاك الأمم التنافس في الدنيا والرغبة فيها والمغالبة عليها عن عمرو بن عوف الأنصاري أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له تبسم رسول الله حيث رآهم ثم قال: ((أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ قالوا: أجل يا رسول الله قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) ([3]).
قال النبي : ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم))([4]).
وقال : ((إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ))([5]).
ومن أسباب هلاك الأمم كثرة التعامل بالربا، وانتشار الزنا – والعياذ بالله – فإن هذا مما يخرب البلاد، ويهلك العباد، ويوجب سخط الرب عز وجل .
عن ابن مسعود عن النبي قال: ((ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل ))([6]).
والربا نوعان:
ربا الفضل: وهو الزيادة في الجنس الواحد الربوي.
والأجناس الربوية: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء.
والنوع الثاني: هو ربا النسيئة، وهو الزيادة التي يأخذها صاحب الدين في مقابلة دينه.
قال تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم [البقرة :275-276].
وانتشار الزنا سبب لظهور الأوجاع والطواعين التي لم تكن في السالفين كما قال النبي : ((لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا))([7]).
وانتشار الزنا يرفع العفة، ويخلط الأنساب ويجلب الفوضى، نسأل الله عز وجل أن يرفع عن بلاد المسلمين الربا والزنا.
ومن أسباب هلاك الأمم تقصير الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن أبي بكر عن النبي أنه قال: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز وأكثر ممن لايعملها، ثم لم يغيروه إلا عمّهم الله تعالى منه بعقاب))([8]).
قال: ((مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا في سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا مالك ؟ قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم))([9]).
قال الإمام الغزالي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، وأضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن أسباب هلاك الأمم ترك الجهاد والإخلاد إلى الأرض.
قال النبي : ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم))([10]).
واتباع أذناب البقر، والرضا بالزرع علامة على الإخلاد إلى الأرض، والإخلاد إلى الأرض وترك الجهاد سبب الذل والهوان.
ومن أسباب هلاك الأمم مخالفة أمر النبي .
قال الله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].
وقال النبي : ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم ))([11]).
ومن أسباب هلاك الأمم الغلو في الدين، والغلو هو التنطع ومجاوزة الحد، وقد قال النبي : ((هلك المتنطعون ))([12]). وقال : ((إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ))([13]).
كتبه / منصور عبدالحكيم.
————————————————————————————————————————————–
([1])متفق عليه.
([2])رواه ابن ماجة (4018) الفتن : باب العقوبات وأبو نعيم في الحلية (8/333-334) وحسنه الألباني بشواهده وانظ الصحيحة رقم (106) وصحيح ابن ماجة .
([3])متفق عليه.
([4])رواه مسلم (16/134) وأحمد فى مسنده (3/323).
([5]أبو داود (1682) الزكاة : باب في الشح و الحاكم فى المستدرك
([6])رواه أحمد في المسند (1/402) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(4/118)
ورواه أبو يعلى وإسناده جيد ، وقال الألباني في صحيح الجامع (5510) حسن .
([7]) رواه ابن ماجه فى سننه وانظر كتابنا هلاك الامم من قوم نوح الى قوم عاد الثانية.
([8])رواه أبو داود (4316) الملاحم ، وابن ماجة (4005) ، وأحمد رقم (1/16،29،53،شاكر) .
([9])رواه البخاري (5/132) ، والترمذي (9/19) الفتن .
([10])رواه أبو داود (3445) البيوع ، وقال الألباني : صحيح لمجموع طرقه وانظر الصحيحة رقم (11) ، وقال الرافعي : وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن نقدا أقل من ذلك القدر (عون المعبود7/336-337).
([11])رواه أحمد (2/50،92) وصححه الألباني في الإرواء رقم (1269) وصحيح الجامع رقم (2828) .
([12])رواه مسلم (2670)
([13])رواه النسائي (5/268) الحج ، والحاكم (1/466) ، وأحمد (1/215) وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وصححه الألباني في الصحيحة رقم (1283) .
تعليقات