الماسونية فى الشام - الكاتب منصور عبد الحكيم

 

الماسونية فى الشام -

  الكاتب منصور عبد الحكيم

دخلت الماسونية العالم العربي مع الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ثم انتقلت الى لبنان وسوريا.

لا تنكر الدول العربية عامةً الحقبة الماسونية القديمة في تاريخها، ولكنها لا تأتي على ذكرها في المناهج الدراسية، وكانت المحافل الماسونية معترف بها من الحكومات في مصر وسوريا حتى إلغائها عام ١٩٦٤ م فى مصر وعام ١٩٦٥ فى سوريا.

الحديث عن الماسونية ليس مفخرة و السوريين فقد تحاشوا الخوض في الملف ما استطاعوا بوصفه شبهة يربطها البعض بالصهيونية العالمية التي وصلت إلى دمشق في نيسان 1868، عبر ماسوني أمريكي يدعى، روبرت موريس.

و موريس، عُرف كشاعر كبير وماسوني متمسك بأفكاره، واختصر اسمه من روبرت إلى روب لتمييزه عن شاعر أمريكي آخر، وينسب إله الفضل في ابتكار “وسام نجمة الشرق”، وهو مجموعة تعليمات وشروط اعتمدتها بعض الهيئات التابعة للمحافل الماسونية.

جاء إلى دمشق حاملاً تحية أخوة من نصف مليون ماسوني أمريكي، ومعه ألف دولار أمريكي لتأسيس أول محفل فيها، ولتعريب الماسونية عبر أبنائها .

 

ولاختيار دمشق عند موريس دوافع كانت واضحة بالنسبة للمؤلف، يذكر منها اعتباره أن جميع أسرار وقيم العالم القديم موجودة في دمشق، بحسب ما ذكره موريس نفسه في كتاباته، والتي قال فيها إن “دورها وقصورها هي غبار ألف جيل من البشرية”.

استُقبل موريس بحفاوة بالغة في دمشق”، وكان من بين المحتفين به محمد رشيد باشا، والي العثمانيين على دمشق، والذي “كان ماسونياً بدوره”، ما يقودنا إلى استنتاج أن دمشق كان فيها ماسونيون قبل مجيء موريس.

في ذلك الوقت لم يكن هناك أي محفل محلي في دمشق، وكان كل ماسون دمشق منتسبين لمحافل ماسونية خارجية، ودعاهم موريس للاجتماع السري الأول من نوعه في تاريخ المدينة… ليصنعوا في ذلك اليوم تاريخ الماسونية، في دمشق: 7 نيسان 1868م.

وقّع الماسون في الشام كتاباً موجهاً للمحفل الأعظم الإنكليزي، طلبوا فيه صك براءة لتشغيل محفلهم الأول ، وكان من بين الموقعين عليه نائب القنصل الأمريكي في دمشق ناصيف مشاقة، ومحمد علي محاسن، أحد أعيان المسلمين العاملين في المحكمة العثمانية العليا.

 

هكذا، فتح الدمشقيون ذراعيهم للماسونية آخذين بالانتساب إليها بكثرة معجبين بقدومها من الغرب المتطور علمياً وصناعياً واقتصادياً.

أصبح النشيد الوطني “حماة الديار” هو النشيد الرسمي لكل المحافل الماسونية الدمشقية حتى باتت تلاوته قبل أي اجتماع ماسوني فرضاً في المحافل، وهو نشيد أقرّه البرلمان السوري، بطلب من رئيسه فارس الخوري، في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، في سياق التماس الدولة السورية الاستقلال عن الانتداب الفرنسي.

 

وفارس الخوري ماسوني كبير طوع الماسونية الرسمية بكل ما استطاع لمحاربة الانتداب الفرنسي، ليس ابتداءً باعتماد العَلم الرسمي السوري للمحافل، ومنع دخولها من قبل الأجانب، وابتعادها عن اللباس الأزرق الغربي، وعقد كل اجتماعاتها باللغة العربية، وفي عام 1935 عقدت كل محافل دمشق اجتماعاً سرياً مغلقاً خرج بنتائج واضحة ومقررات تنص على إنهاء الانتداب دون شروط، تأسيس جيش وطني مستقل، والانضمام إلى عصبة الأمم المتحدة.
نشطت الماسونية في دمشق قرناً كاملاً واحتوت كل رجل مهم في الدولة تقريباً، حتى صدر مرسوم موقّع من قبل رئيس الجمهورية أمين الحافظ، عام 1965، قضى بإغلاق جميع المحافل الماسونية وحظر نشاط الجماعة حظراً تاماً وكاملاً.

 

لا تقل قائمة الماسونيين وقتذاك إبهاراً عن نظيرتها في لندن وواشنطن وباريس، فقبل مئة عام كانت الماسونية ذات شعبية كبيرة في سوريا، وضمت في صفوفها معظم الآباء المؤسسين للدولة السورية.

 

دخل المحافل من الدمشقيين وقتها الكثير من النخبة ، فهناك ـ11 من رؤساء الوزارات السورية في عهد الانتداب والاستقلال كانوا من الماسون ومعهم ثلاثة وزراء خارجية، ورئيسا دولة على الأقل، وأبرزهم السياسيين منهم: جميل مردم بيك، فارس الخوري، عبد الرحمن الشهبندر، حقي العظم، فوزي سلو، أديب الشيشكلي، جميل الألشي، عطا الأيوبي، حسن الحكيم، سعيد الغزي، صبحي بركات، أحمد نامي، لطفي الحفار، بهيج الخطيب.

 

ومن الأسماء البارزة التي لم تتولَّ مناصب سياسية رسمية: القاضي حنا مالك، رئيس غرفة تجارة دمشق بدر الدين الشلاح، داوود مارديني، مصطفى القباني، مصطفى شوقي، عثمان سلطان، توفيق البيضون، رفيق الجلاد، وكثيرون غيرهم من علية القوم والتجار.

 

نشطت الماسونية في دمشق قرناً كاملاً واحتوت كل رجل مهم في الدولة تقريباً، حتى صدر مرسوم موقّع من قبل رئيس الجمهورية أمين الحافظ، عام 1965، قضى بإغلاق ومنع جميع المحافل الماسونية وحظر نشاط الجماعة حظراً تاماً وكاملاً.

وكان الماسون الدمشقيون يعلقون شهاداتهم الماسونية الرسمية بخطها الكوفي في مكاتبهم ومنازلهم دون أي خجل أو تحفظ.

بدأت الأمور تتغيّر في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين. بعد أسابيع قليلة من قيام جمهورية الوحدة بين سوريا ومصر (الجمهورية العربية المتحدة) في شباط/ فبراير 1958م، أتلفت معظم محافل ماسون دمشق أوراقها، لأن الماسونيين كانوا يخافون من الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يتهمهم بصلاتهم الخارجية.

ورغم ذلك، لم يغلق عبد الناصر أي محفل ماسونى في دمشق خلال توليه رئاسة الجمهورية المتحدة، إنما المشكلة الحقيقية كانت مع عبد الحميد السراج، مدير المكتب الأمني الثاني، ووزير الداخلية، وكذلك رئيس المجلس النيابي أكرم الحوراني، الذي صار لاحقاً نائباً للرئيس، والمعروف بتطرفه للفكر الاشتراكي، والذي حارب الماسونيين محملاً إياهم مسؤولية فقر السوريين وهزيمة الجيش في حرب فلسطين.

 

ومن المحافل السورية المعروفة: محفل نور دمشق الذي تأسس عام 1898 وأبرز مؤسسيه الخوري وجميل مردم بك، وأغلق أبوابه مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، ولم يعد افتتاحه لاحقاً؛ محفل قاسيون الكبير الذي تأسس بين عامي 1922 و1924، وكان تابعاً للمحفل الفرنسي الأكبر، ومن أبرز أعضائه رئيس الوزراء السابقون جميل الألشي، ورضا مردم بيك، والتاجر زكي سكر، وأقفل عام 1965؛ محفل سورية الذي تأسس عام 1879، ويتبع للمحفل الإيطالي الأكبر، وأغلق عام 1890؛ محفل سورية الثاني الذي تأسس عام 1924 ويتبع لمحفل لشرق الأعظم الفرنسي، ومن أبرز أعضائه رئيس الحكومة سعيد الغزي، وأقفل عام 1965؛ والمحفل السوري الأكبر الذي تأسس عام 1939، على يد عطا الأيوبي، وكان يتبع للمحفل الإسكتلندي الأكبر، وأغلقه المندوب السامي الفرنسي عام 1940.

كان قرار حظر الماسونية نتيجة اكتشاف السلطات السورية أمر الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي عاش وعمل في سوريا لأربع سنوات، وكانت داره يدخلها رجال السياسة والمال والجيش ومقربا من مكتب الرئاسة هناك حتى كشف أمره وتمت محاكمته واعدامه .
منصور عبد الحكيم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العائذ الأول والثاني ونهاية هلكة العرب _منصور عبد الحكيم

الشياطين الملجمة التى تظهر آخر الزمان - منصور عبد الحكيم

الاعشاب والجن لمنصور عبدالحكيم